ليس مهماً أن نحدد من النائب «شلولخ» الذي كان أسداً جهوري الصوت شديد القسمات قبل دخول البرلمان، وغدا اليوم نعجة منبسطة الأسارير تجري في قطيع الحكومة. كما أنه ليس من المهم الإشارة إلى مَن هو الشيخ الدعي المزيف، لأني لو حصرت المثال بشخص واحد بعينه، سأكون قد ضيقت واسعاً وحجمت مطلقاً.
لم يدر في خلدي أن مقالي السابق «مو كل شيخ شيخ» سيؤدي إلى كل هذه «التوابع»، وستنشأ عنه كل هذه الاتصالات والمسجات والإيميلات. أقول هذا وأنا أعترف بأني سعدت كثيراً بهذا التفاعل من جانب الأعزاء ممن قرؤوا المقال. لكن الجزء الأكثر إثارة في المسألة أن كثيرين سألوني عن النائب المقصود الذي ورد ذكره في المقال وعن الشيخ المراد كذلك.
حين كتبت المقال لم يكن الهدف التهجم على شخص معين بعينه، ولم يكن في نيتي ضرب أحد محدد والسخرية منه، إنما حسبي أن انطلقت من أسلوب ضرب المثال غير المكشوف بغية التنبيه إلى واحدة من الظواهر العامة التي يعانيها المجتمع.
ليس مهماً أن نحدد مَن النائب «شلولخ» الذي كان أسداً جهوري الصوت شديد القسمات قبل دخول البرلمان، وغدا اليوم نعجة منبسطة الأسارير تجري في قطيع الحكومة. فليس من فائدة في التعريض بنائب بعينه، وليس في هذا قيمة للقارئ في ظني وما كان لذلك مرادي، ولكن يكفي القارئ الذكي أن يسقط المثال على كل واحد ممن شنفوا الآذان بأصواتهم العالية قبل دخول البرلمان، وملأوا الدنيا من حولهم صخباً بما سيفعلونه وسيقومون به، وإذا بهم تحولوا اليوم إلى عصافير تغرد على ألحان الحكومة بعدما أدخلتهم الجماهير المخدوعة إلى البرلمان فاستظلوا بين أغصان الشجرة الحكومية وارفة الظلال يانعة الثمار. كل من ينطبق عليه المثال هو نائب «شلولخ»!
وكذلك ليس المهم مَن هو الشيخ الدعي المزيف السوقي التافه المقصود، لأني لو حصرت المثال بشخص واحد بعينه، سأكون قد ضيقت واسعاً وحجمت مطلقاً. إن مثالي ينطبق على أسماء عدة ممن ركبوا موجة الدين، فصاروا يبيعون الإثارة والفضائح والبذاءة مغلفة بقشرة رقيقة من العبارات الدينية تماماً مثلما تغلف حلوى «الملبس». كل شخص يستغل الدين لتسويق الإثارة والفضائح والبذاءة، وكل شخص يستغل الدين فيحيله إلى «بيزنس» إما من خلال برنامج على قناة فضائية، أو من خلال الهاتف و«المسجات» أو الإنترنت، وذلك بهدف ملء جيبه الخاص بالأموال الطائلة، هو دعي مزيف وسوقي تافه، والتدين الحقيقي بريء منه ومن تصرفاته، وهو لذلك لا يستحق أن يُدعى شيخاً!
بعض من عاتبوني لظنهم أني قصدت الشيخ «فلان» بعينه، قالوا انظر إليه وإلى جماهيريته وندواته ومحاضراته الحاشدة، وتعلق الناس به وتحلقهم حوله، وأني بذلك سأخسر الكثير لاستعدائي له. والجواب هنا، وما أدراكم أني عنيته هو؟ هل «شيخكم» هو ممن يستخدمون البذاءة والكلمات الرخيصة وأسلوب الإثارة والرقص على موضوعات الجنس والفضائح لتسويق برامجه ومقالاته ومحاضراته وأنشطته؟ إن كان كذلك فأنا لم أتجن عليه بشيء إذاً.
والأمر الآخر، متى كان الانتشار والجماهيرية دليلاً على صحة المنهج والطريق؟! تثبت الدراسات أن مواقع الإنترنت والأفلام الإباحية وتلك المرتبطة بالأنشطة غير الأخلاقية ومواقع القمار وما شابه هي من أكثر الأنشطة رواجاً وجنياً للأرباح، فهل هذا يغير من حقيقة عفونتها وسوئها شيئاً؟!
إن الجماهيرية والانتشار لا تعنيان شيئاً، سوى أننا في عصر سيئ اختلطت به الأمور، ولكن وكما يُروى عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال: «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه».