الركض... يزيد من حدّة ذكائكم!
لا تقتصر التمارين الرياضية على منحكم اللياقة البدنية فحسب ولكنها تزيد من حدة ذكائكم. إليكم بعض الاكتشافات الخاصة بكيفية تطوير قدراتكم الذهنية.
لا حاجة الى التذكير بأن الرياضة مفيدة للصحة، فمن المعلوم أنها تحارب الكوليسترول وتنشط عمل القلب وتمنع تراكم الكيلوغرامات، ولكن بعيداً عن المنافع الجسدية الأكيدة لرياضة الدراجات والركض والسباحة تؤكد بعض الأبحاث أن التمرين إلى حد اللهاث يمكن أن يساهم في تغذية الدماغ أيضاً.تظهر المبادئ العلمية الثورية الجديدة للعلاقة بين الرياضة والدماغ، أن المشي السريع المنتظم يمكن أن ينشّط الذاكرة ويخفف من الضغط النفسي ويعزز الذكاء ويضع حداً للعدوانية. يقول البروفسور جون راتي، أستاذ علم النفس المساعد في كلية الطب في جامعة هارفرد في بوسطن، إن التمارين الرياضية تحفز العقل فيفرز مواد مغذية للدماغ ويضيف: «لا أستطيع التقليل من الأهمية التي تكتسبها التمارين المنتظمة في تحسين وظيفة الدماغ وأدائه، فلا شك في أن هذا الدواء ناجع». السعادةإن كان العرق البارد يتصبّب من جبينكم لمجرد التفكير بالتنقل بين الملاعب الرياضية المحاطة بالجليد، فلعل النظرية التي تقول إن ممارسة التمارين الرياضية تجلب السعادة خاطئة. لكن بعيداً عن مفعول الهواء الطلق والمشاهد الطبيعية في رفع المعنويات، ثبت أن مجرد السير على رصيف الشارع يمكن أن يحدث تغييراً في طريقة عمل الدماغ، فيزيد الشعور بالسعادة ويبعد شبح الانهيار. يؤكد راتي في هذا المجال أن «مفعول التمرين يوازي مفعول أي مضاد آخر للانهيار». وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي صرح فريق من العلماء في جامعة يال لمجلة Nature Medicine أن الإجهاد المتكرر يؤثر في قرن آمون أي الجهة المسؤولة عن المزاج في الدماغ. أظهرت التجارب التي أجريت على الفئران أن التمارين الرياضية تنشط جيناً في الدماغ يدعى VGF وهو مرتبط بـ{عامل نمو» كيماوي مسؤول عن تطوير خلايا عصبية جديدة. تشير التجارب إلى أن عملية تفعيل الدماغ هذه تؤدي إلى رفع معنويات الانسان، طلب من المشاركين في اختبار أجري في الفترة الأخيرة في ألمانيا أن يسيروا على جهاز المشي (treadmill) لمدة 30 دقيقة في اليوم على مدى 10 أيام، في نهاية التجربة سجل الباحثون انحساراً ملحوظاً في مجموع النقاط الخاصة بالانهيار. ويعمل العلماء اليوم على استحداث دواء بمفعول مشابه لجينة VGF لتسويقه كبديل لمضادات الانهيار التقليدية. الذكاءقد يرفض مشاهدو لعبة كرة القدم الادعاء الذي يقول إن ممارسة التمارين الرياضية تنمّي الذكاء وهم محقون جزئياً في ذلك على حد قول راتي، فالتمارين الرياضية لا تزيد نسبة الذكاء لدى الانسان ولكنها ترفع قدرة الدماغ على التعلّم إلى حدّه الأقصى. يزيد النشاط الجسدي كمية الدم المتدفقة إلى الجزء المسؤول عن الذاكرة والتعلّم في الدماغ، ما يؤدي إلى إنتاج خلايا دماغية جديدة. تنبّهت مدارس عدة في الولايات المتحدة وهولندا للأمر، يبدأ تلامذة مدرسة Naperville Central للصفوف الثانوية قرب شيكاغو يومهم بالمشاركة في صف اللياقة البدنية، فيركضون في الملعب وهم مزودون بأجهزة لمراقبة القلب. يؤكد الأساتذة أن نتائج الامتحانات ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً منذ إطلاق برنامج المحافظة على الرشاقة.وفي غضون ذلك أُخضع فريق مؤلف من 241 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 15 و71 عاماً في امستردام الى اختبار يقوم على مقارنة النشاط الجسدي بنتائج الأعمال الفكرية، فلاحظ الباحثون تحسّناً في نتائج الفئة الأكثر نشاطاً من هؤلاء الأشخاص ولا سيما الأصغر سناً. فضلاً عن ذلك تؤكد الأبحاث الاضافية أن الرياضة تنشط الذكاء لدى الأطفال، أظهرت التجارب القائمة على الجرذان في مركز دلبروك للطب الجزيئي في برلين أن نسبة الخلايا في مركز هيبوكمبوس أي الجزء المسؤول عن الذكاء في الدماغ هي 40% أكثر لدى الجرذان الصغار المولودة من أمهات زاد نشاطها خلال الحمل. إن كان الأمر ينطبق على البشر أيضاً فمن المتوقع أن تصبح ايسلا ابنة بولا رادكليف عبقرية في المستقبل نظراً إلى أنها ظلت تتدرب على سباق ماراتون نيويورك حتى اليوم السابق لدخولها المستشفى وفازت في السباق بعد 9 أشهر على انجابها طفلتها.الإجهاد النفسي إن شعرتم عند الرابعة من بعض الظهر أن يوماً من العمل المضني قد سحق دماغكم لا يعود السبب إلى الارهاق أو إهمال تناول كوبين من القهوة فحسب، لأن الطريقة التي يتصدى بها جسمنا للتوتر النفسي مشابهة لطريقة أجدادنا الذين كانوا يجابهون هذا الشعور بالقتال أو الحركة السريعة. عند الشعور بالتوتر، يفرز الجسم هرمون الادرينالين وبعض الهرمونات الأخرى التي تجري في الدم وتستعد العضلات للرد. تكمن المشكلة في أن تقديم عرض دقيق على برنامج «باوربوينت» أو إجراء مقابلة تخص العمل بات يسبب التوتر أكثر من التعرض لهجوم من أسود يبحثون عن طريدة، لكن السموم التي يفرزها الجسم للرد جسدياً تبقى مكبوتة في هذه الحالة وقد تكون النتائج إيجابية، فيعمل جهاز القلب والأوعية الدموية بسرعة أكبر ونعمل بجهد أكبر (لفترة قصيرة على الأقل)، إنما لا يمكن الاستخفاف بالسلبيات، فالتوتر النفسي يبطئ النظام المعوي ويخفف الشهية وينبّه الدماغ بصورة مفرطة مشوشاً على أفكارنا، مما يحتّم علينا التصدي له أو استباقه بالقتال (الكيكبوكسينغ أو الجودو على سبيل المثال) أو القيام بحركة سريعة (30 دقيقة على جهاز المشي أو اجتياز حوض السباحة بالطول 50 مرة)، فيزداد تدفق الدم إلى الدماغ ويتخلّص الجسم من المواد السامة التي يفرزها بفعل التوتر. وفقاً للبروفسور راتي، فإن التمارين مفيدة على المدى البعيد فهي «تساعد الجسم على تكديس كمية كبيرة من مضادات الأكسدة كالفيتامين E والفيتامين C» على حد تعبيره مما يساعد خلايا الدماغ على حمايتنا من التوتر المستقبلي. العدوانيعتبر التمرن على الملاكمة أو المشاركة في لعبة السكواتش من الطرق التي تساعد على تصريف العدوان المكبوت، لكن مفعول التمارين الرياضية يفوق مجرد «إخراجه من الدماغ» على حد تعبير البروفسور راتي الذي يؤكد أن «الناس يعتقدون أن التمارين الرياضية تخفف النزعة العدائية لدى الانسان بإحراق الطاقة ولكنها تدخل في الواقع التغيير على دماغ الانسان فلا يشعر بالعدائية في المقام الأول». القشرة الخارجية الأمامية من الدماغ هي الجزء الذي يقرر ما إذا كان يجب التصرف بعدوانية أو التزام الهدوء، يمكن أن يقابل تخفيف النشاط في هذه المنطقة أو تلقّي صدمة أو مواجهة تطور غير طبيعي عجز عن السيطرة على الدوافع العنيفة. يقول راتي «تساعدنا هذه المنطقة على تقويم نتائج الأعمال التي نقوم بها» مضيفاً: «إنه الجزء في الدماغ الذي يكبح جماحنا عندما يتخذ الحكم قراراً فظيعاً ونرغب في ضربه، فالتمارين الرياضية تنشط هذه المنطقة وتشجع على التفكير العقلاني والحؤول دون فقدان السيطرة على أنفسنا».الذاكرةلا يمكن وصف معظم المتنافسين على إحراز اللقب السنوي العالمي لصاحب أفضل ذاكرة على أنهم يمثلون نموذج اللياقة البدنية، لكن الخضوع لبرنامج فاعل من التمارين الرياضية يساعد على تذكر الأحداث خصوصاً مع التقدم في السن وفقاً لراتي وبعض العلماء الآخرين العاملين في هذا المجال. ويقول في هذا المجال: «عند ممارسة التمارين الرياضية تتحرّك الخلايا العصبية في الدماغ التي تساعد على بناء ما أسميه مخصّب الدماغ»، وهو يتحدث في هذا السياق عن الدراسة الجديدة التي أكدت أنه بفضل التمارين الرياضية يتدفق الدم بسرعة أكبر إلى الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ فتتحسن وظيفته وإن صور الرنين المغناطيسي التي التقطت في العام الماضي لمجموعة من الفئران، بطلب من أطباء الأمراض العصبية في المركز الطبي التابع لجامعة كولومبيا في نيويورك، أظهرت نمواً في الخلايا الدماغية لهذه الحيوانات وتحديداً في التلفيقة المسننة للدماغ التي تتراجع مع التقدم في السن.وما زالت الأبحاث جارية على الانسان غير أن راتي مقتنع بأن النشاط الجسدي له المفعول نفسه ويقول: «إن التمارين الرياضية تنشّط الذاكرة بصورة تفوق تصوّراتنا».إدمان التدخينلعل الخبر الذي مفاده أن التمارين الرياضية يمكن أن تشكّل مفتاح التخلص من التدخين، لن يسر المدخنين الراغبين في الإقلاع عن هذه العادة. غير أن الأبحاث الصادرة عن بعض العلماء البريطانيين تشير إلى أن تكريس 5 دقائق للمشي السريع كفيل بتخفيف الأعراض المرافقة لخروج مادة النيكوتين من الجسم. وفي الاختبارات التي أجراها هؤلاء الباحثون، طلبوا من المشاركين قياس معدل حاجتهم إلى التدخين بعد خضوعهم لأنواع من التمارين الرياضية، فتبيّن أن الرغبة في التدخين خفت لدى الأشخاص الذين قاموا بالتمارين. في العام الماضي قال المسؤول الرئيس عن هذه الدراسة التي أجريت في جامعة Exeter : «لو استطعنا اكتشاف دواء يملك المفعول نفسه لتم طرحه مباشرة في الأسواق كمساعد على الاقلاع عن التدخين». ويقوم المبدأ على أن التمارين الرياضية تنشط افرازات هرمون الدوبامين المسؤول عن تحسين المزاج، مما يساهم بدوره في التخفيف من إدمان المدخنين على النيكوتين، ويشرح «راتي» هذه النظرية قائلاً: «إن مفعول الدوبامين هو استبدال الحاجة الى النيكوتين بأخرى أو إرضائها». وما زال علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت نتائج الأبحاث ستحث المدخنين على الاندفاع لممارسة رياضة الركض، فلا أحد يرغب في الإدمان على التمارين الرياضية بعد كل اعتبار.المعدل الذي تحتاجون إليهلا حاجة إلى أن تصبحوا عدائين في الماراتون ليعود الأمر بالنفع إلى دماغكم، فالركيزة الأساسية للتمارين هي المشي السريع على حد تعبير البروفسور راتي. وستشعرون بالتحسن لمجرد القيام بـ30 دقيقة من المشي، فهذا كاف كحد أدنى ولا حاجة الى ممارسة هذا التمرين أكثر من 4 أو 5 مرات في الأسبوع وإن أردتم المزيد فهنيئاً لكم. كذلك ينصح راتي بالتدريب المتقطع أي اجهاد النفس إلى أقصى حد لفترة لا تتجاوز 20 أو 30 ثانية أثناء العدو أو ركوب الدراجة أو السباحة بهدف الشعور الموقت بالإرهاق. فليكن البرنامج قائماً على ممارسة دقيقتين من السير و30 ثانية من الركض تليها دقيقتان من السير من جديد. لايكمن الهدف في إطالة التمرين، لكنكم ستلاحظون الفرق بوضوح ويقول راتي: «إن الآثار الجانبية على الجسم غير سيئة فقد خسرت حوالى 5 كيلوغرامات في وقت قصير جداً».