صنع أيديكم
إن ما يحدث للكويت اليوم هو ثمرة تخلي السلطة عن الدستور والقانون وتنازلها عن مسؤولية إدارة الدولة لمصلحة قوى الفساد وقوى دينية معادية للديموقراطية والانفتاح.
عندما كتبت في أول مقال لي في «الجريدة» بتاريخ 9-8-2007 عن طبيعة تبعثر الأمور في الكويت لم أكن أتصور أن أصل إلى حالة الغثيان التي وصلت إليها من قضيتي التأبين والديوانيات المخالفة، ولم يكن السبب تفاعل النواب والسياسيين معهما الذي لا يعدو كونه مزايدات انتخابية وطائفية، بل كيف تغلغلت ثقافة التخوين والتعصب الطائفي في البيوت ولوثت عقول حتى البسطاء، وهم آخر ما تبقى للكويت من رصيد «أهل الخير.»عندما وضع الدستور كان النفس التقدمي والانفتاحي هو الغالب، لذلك كان من المفترض أن يمر المجتمع بتطور طبيعي يعزز مدنيته ويقوي مؤسساته ويرتقي بوعي وفكر ومسؤولية الأفراد تجاهه، لكن عبث السلطة وضربها للانفتاح والتقدم منذ منتصف الستينيات عرقل التطور وحوله إلى تخلف في الاتجاه المعاكس. إن ما يحدث للكويت اليوم هو ثمرة تخلي السلطة عن الدستور والقانون وتنازلها عن مسؤولية إدارة الدولة لمصلحة قوى الفساد وقوى دينية معادية للديموقراطية والانفتاح.اليوم هناك مَن يجرؤ على شراء الأصوات لأن السلطة زورت الانتخابات قبله، وهناك مَن يجرؤ على الطرح الفئوي وتقسيم المجتمع لأن السلطة سبقته بالعبث بالدوائر الانتخابية، وهناك من اضطر إلى الاستقواء بالقبيلة والطائفة لضمان حقه أو لمصادرة حق غيره لأن الوزراء يوقعون على المعاملات بإرادتهم. السلطة هي التي عبثت بالنسيج الاجتماعي وباعت المواطنة والانتماء واشترت بهما الولاء السياسي قبل أن يبحث الإخوان والسلف و«حزب الله» عن ولاءات خارجية، وهي التي سلمت «الخيط والمخيط» للقوى الدينية قبل أن يجرؤ «ثوابت الأمة» على التهديد بمراقبة الحسينيات، وهناك من يجرؤ منهم على رفع سلاحه بوجه قوات الأمن لأن السلطة غضت الطرف عما يجري في بعض المساجد والمخيمات. وهناك من بنى ديوانيته على أرض لا يملكها ويجد نواباً يشجعونه لأن السلطة تسترت على مَن سرق المليارات قبله، وهناك مَن يؤبن ويمجد إرهابياً لأن السلطة تقاعست عن رد اعتبار شهداء ورهائن «الجابرية» قضائياً، ولأن وفوداً رسمية منها تتوجه لتهنئة السيد على انتصاراته. السلطة هي التي لم يهزها قيام جمعية الاصلاح بسب الشعب الكويتي والطعن بشرفه قبل أن تنتفض ضد مواطنين مارسوا حقهم في التعبير. السلطة هي التي أضعفت مرجعية الدستور قبل أن يجرؤ أحد على كسر القانون أو الاستقواء بالانتماء الفئوي والخارجي، وهي التي عملت ضد ترسيخ مفاهيم التسامح والانفتاح الدستورية قبل أن يستسهل المواطن تخوين غيره ويطالب بسحب جنسياتهم وطردهم وهو جالس في بيته.Dessertمهما آلت إليه الدعاوى القضائية المتعلقة بالتأبين، فتبقى السلطة هي المتهم الحقيقي الجدير بالمحاسبة، وتستحق دولة الكويت على الأقل رد اعتبارها باعتراف واعتذار عن خطايا الماضي والحاضر وتصحيحها.