Ad

لقد تأثرت «حماس» الضفة الغربية باعتدال «الإخوان المسلمين» الأردنيين الذي لا يمكن إنكاره على اعتبار أنها امتداد لهم، بينما جاءت «حماس» قطاع غزة صورة طبق الأصل عن «إخوان» القطاع الذين هم جزء من التجربة الإخوانية المصرية بوجهها الأكثر نزقاً وتطرفاً، وبنزعتها المستندة إلى مرحلة جهاز «النظام» الذي وصف حسن البنا -رحمه الله- المنتسبين إليه بأنهم «لا إخوان ولا مسلمون».

من لم يستوعب مغزى لقاء يوم الجمعة الماضي بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن)، وأربعة من قادة «حماس» في الضفة الغربية هم ناصر الشاعر وحسين أبو كويك وفرج رمانة وأيمن ضراغمة، والصلاة معاً في مبنى المقاطعة الذي هو مقر الرئاسة الفلسطينية، فإن عليه أن يعود إلى الأصول، فأصول «حماس» الضفة الغربية ليست هي أصول «حماس» قطاع غزة، فالتجربتان مختلفتان والمزاج مختلف والمسيرة هنا تختلف عن المسيرة هناك.

إن «حماس» الضفة الغربية خصوصاً غير المستجدين من أعضائها هي امتداد تنظيمي وذهني وثقافي ومزاجي للإخوان المسلمين في الأردن، فقبل ظهور هذه الحركة في عام 1987 كان هناك تنظيم «إخواني» واحد في الضفة الغربية و«الضفة الشرقية»، وكانت هناك قيادة واحدة ونظرة موحدة إلى الأمور، وكان هناك الموقف نفسه إن في عمان أو في القدس وإن في نابلس أو السلط وإربد وإن في الخليل أو الكرك أو في أريحا والشونة الشمالية.

أما «حماس» غزة فإنها امتداد لـ«الإخوان» هناك وهؤلاء كانوا يعتبرون من الناحية الفعلية امتداداً لـ«إخوان» مصر تنظيماً وثقافة وسياسة وذهنية ومزاجاً إنسانياً، والمعروف أن كل هذا التطرف «الإسلامي»، الذي يضرب العالم من أقصاه إلى أقصاه، كان قد رأى النور في الحاضنة الإخوانية، وكانت بدايته تنظيمهم العسكري السري «النظام»، وكان إفرازاً تنظيمياً لأفكار ومفاهيم سيد قطب المستندة بدورها إلى أفكار الهندي-الباكستاني أبو الأعلى المودودي.

لقد تأثرت «حماس» الضفة الغربية باعتدال «الإخوان المسلمين» الأردنيين، الذي لا يمكن إنكاره على اعتبار أنها امتداد لهم، وهذا يجسده الدكتور ناصر الشاعر بصورة خاصة، بينما جاءت «حماس» قطاع غزة صورة طبق الأصل عن «إخوان» القطاع، الذين هم جزء من التجربة الإخوانية المصرية بوجهها الأكثر نزقاً وتطرفاً وبنزعتها المستندة إلى مرحلة جهاز «النظام» الذي وصف حسن البنا -رحمه الله- المنتسبين إليه بأنهم «لا إخوان ولا مسلمون» وإلى أفكار سيد قطب المتطرفة «المودودية».

ولإدراك مدى الاختلاف بين «حماس» الضفة الغربية و«حماس» غزة فإنه لابد من تذكُّر أن الضفة الغربية كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية جغرافياً وسكانياً ونظاماً ومؤسسات وأحزاباً وهيئات رسمية وشعبية واقتصاداً... وبهذا فإنها كانت جزءاً من الإقليم كله، وكانت منفتحة على العالم بأسره، في حين أن قطاع غزة كان حالة فريدة، فهو عبارة عن شريط ضيق محاصر محشو بسكانه كعلبة «سردين»، وبقي يخضع لإدارة عسكرية مصرية إلى نحو عشرين عاماً، وكان أهله لا يخرجون منه ولا يعودون إليه إلا «بنشاف الريق» كما يقال.

كان أهل الضفة الغربية جزءاً من مجتمع غير متوتر وغير محاصر، وكانت حركتهم في كل الاتجاهات بلا قيود، وكانت أوضاعهم الاقتصادية مستقرة ومعقولة، وكان من يشعر منهم بالضيق والضائقة في قريته أو مدينته غربي النهر ينتقل إلى شرقي النهر كمواطن ينتقل بين مدينتين في الوطن الواحد، وكان يتنقل حيث يشاء في هذا الوطن الواحد، وكان يشعر وهو في الخارج أنه محصن بجواز السفر الأردني، وأنه محمي بسيادة دولة لها مكانتها في المنطقة العربية، وفي العالم هي المملكة الأردنية الهاشمية.

إن هذا لم يتوافر لا لقطاع غزة ولا لأهله، إذ جاء الاحتلال ليرث الإدارة العسكرية، والحق هنا لا يقع على الأشقاء المصريين على الإطلاق، فازداد الحصار حصاراً وازداد الشعور بالضيق والضائقة، وتعمّقَ اليأس والإحباط تحت نير احتلالٍ لايزال قائماً من الناحية الفعلية، وهذا هو سبب الاختلاف بين «حماس» الضفة و«حماس» غزة، وهو الذي جعل الدكتور ناصر الشاعر يختلف عن الدكتور محمود الزهار إن في الهيئة وإن في التعامل مع الآخرين وإن في النظرة إلى الحياة وإن في المواقف السياسية.

* كاتب وسياسي أردني