هل يعبّر المرشحون عن نبض الشارع؟
من المعتاد أن يسعى المرشحون خلال الانتخابات النيابية الى طرح آرائهم وأفكارهم، انطلاقا من أن الناخب لا تعنيه فقط صورة المرشح أو شكله أو طريقة لبسه أو شكل «عقاله»، ومع أن توجهات التصويت لا تستند بالضرورة إلى أفكار وآراء المرشح، فهناك عوامل عديدة تؤثر في قرار التصويت، كالعلاقات الشخصية والمنافع الذاتية والبُعد القبلي والطائفي وغيرها، إلا أن آراء وتوجه المرشح تؤثر بصورة أو بأخرى في قرار الناخب بالتصويت لهذا المرشح أو ذاك.
ولئن كانت آراء المرشحين وتوجهاتهم تؤدي دورا أقل في التأثير على التصويت إبان حقبة النظام الانتخابي القائم على خمس وعشرين دائرة، بحكم صغر حجم الدوائر الانتخابية، فإنه من المتوقع أن يصبح لآراء المرشح أثر أكبر في الانتخابات القادمة المرتكزة على خمس دوائر انتخابية. ومع ذلك، فإن المرشحين في الانتخابات الخمسة الماضية لم يترددوا في تبيان وشرح رؤاهم من كل القضايا المطروحة، بل إن الندوات والمقابلات والتصريحات أصبحت هي السمة السائدة في الانتخابات النيابية، مع دفع غالبية المرشحين الى الإدلاء بآراء خلال الحملة الانتخابية، حتى من قبل اولئك المرشحين الذين يعتمدون على مرتكزات انتخابية لا علاقة بها بالرأي أو الأفكار. ولتوضيح ذلك، فقد قمنا بإجراء دراسة استطلاعية تحليلية مقارنة للانتخابات الخمسة الماضية، في سبيل تبيان القضايا التي طرحها المرشحون وكيفية تطورها ومدى كونها تمثل انعكاسا حقيقيا لنبض الشارع، وإلى أي درجة يسعى المرشحون إلى قيادة الرأي العام، أم إنهم يكونون مجرد تابعين للمزاج العام. وقد اعتمدت الدراسة على مصدرين، أحدهما دراسة مماثلة قمنا بها في انتخابات 1996، والآخر هو الدراسات اللاحقة لكل انتخابات، والتي قامت بها إدارة البحوث في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهو جهد يُشكر القائمون عليه، وعلى هذا الأساس سنعتمد التصنيفات التي اعتمدتها تلك الدراسات مع اعادة تكييف بعضها لضرورات المقارنة المنهجية السليمة. وقد اتضح من خلال دراستنا المقارنة، بأن القضايا التي حازت على المراكز الخمسة الأولى من اهتمامات المرشحين، كانت قضايا الاقتصاد والديموقراطية والانتخابات والرعاية الاجتماعية والخدمات. وجاءت بعد ذلك قضية الشباب والأمن برقم متقارب جدا، ويمكن تفسير الاهتمام بمسألة الأمن بشقيها الداخلي والخارجي، بنتائج الغزو العراقي للكويت والحاجة إلى الأمن على الجبهتين، إلا أن هناك حاجة دائمة إلى فهم وتحليل تلك القضايا وتفريعاتها، وهو ما سيتم شرحه في دراستنا المقارنة بصورة أكثر تفصيلا. ويبقى السؤال هنا: هل ستتكرر ذات القضايا في الانتخابات القادمة؟ وحتى إن تكررت، هل ستتم معالجتها بنهج مختلف أم سيتكرر النهج كذلك؟ من الواضح ان الانتخابات القادمة سيسودها اتجاهان، الأول يمثل الاتجاه السياسي العام، وهو الذي يتشكل من الكتل والتنظيمات السياسية المختلفة، حيث ستسعى تلك الكتل والتنظيمات الى توحيد منطلقاتها ورؤاها انطلاقا من أن التأثير الانتخابي سيتعدى الدائرة الواحدة التي تخوضها كتلة بعينها. كما يتضح بأن العديد من الكتل والتنظيمات ستخوض انتخاباتها في أكثر من دائرة. أما الاتجاه الثاني فهو لأولئك المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات بشكل فردي، وينقسمون الى ثلاثة أقسام، الأول يمثل المرشح الذي سيعتمد على القبيلة او الطائفة بدرجة أساسية. أما القسم الثاني فهو المرشح الذي يعتمد اما على الخدمات أو على شراء الأصوات، أما القسم الثالث فهو المرشح الذي سيخوض الانتخابات مستندا إلى رؤى سياسية بالأساس، وقد يحظى بدعم أو مساندة أو تنسيق مع كتلة بعينها. وتبدو الفئة الثالثة هي الأكثر في طرح رؤاها وافكارها السياسية، وفي الكثير من الأحوال كما سنرى، تتداخل الفئات المطروحة بصورة كبيرة، ما سيؤدي الى رفع السقف في القضايا المطروحة، وربما التجديد في الطرح في سبيل التميز سياسيا عن الآخرين، وربما الحصول على مزيد من الأصوات.