Ad

هناك سيناريو مسرب عن الحرب المرتقبة يقول إن واشنطن سوف تغير على «قاعدة الفجر» التي يديرها الحرس الثوري في جنوب إيران مما يستدعي رداً إيرانياً عنيفاً يبدأ بإغلاق بعض منابع وطرق نقل النفط في المنطقة، وهذا العمل، حال حدوثه، سوف تعتبره واشنطن عملاً عدائياً ضد الاقتصاد العالمي، فتعمد الى شن سلسلة غارات على مراكز إيرانية حيوية يعقبها إعلان الحرب الشاملة على إيران.

أكثر من مصدر أميركي تربطني بهم علاقات شخصية قديمة، أجمع على القول أخيراً ما معناه: إن أحاديث الحرب مع إيران هي أشبه بـ«عاصفة في فنجان». معظم هذه المصادر، إذا لم يكن كلها، استقال أو تقاعد من الخدمة، لكنها مازالت على اتصال وثيق، بما يجري في كواليس الإدارة الأميركية، نظراً لخبرتها الطويلة في شؤون وشجون منطقة الشرق الأوسط.

من أقوال هذه المصادر أن الإدارة الأميركية تعيش اليوم حالة ارتباك شديد حيال ما «يمكن» فعله تجاه الأزمة مع إيران، فالخلاف بين جنرالات البنتاغون والبيت الأبيض حول ما «يجب فعله» يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، البيت الأبيض، وبصورة خاصة نائب الرئيس ديك تشيني ومجموعته، يستخدم في أطروحاته ومناقشاته كلمة «ما يجب فعله»، بينما الجنرالات يستخدمون كلمة «ما يمكن فعله».

والفارق بين هذين التعبيرين واضح وليس بحاجة الى كثير من الشرح. فوجوب فعل الشيء هو قرار سياسي لا يمكن تطبيقه إذا لم يقترن بالقدرة على تحقيق أهدافه عسكرياً، وهذا هو جوهر ولبّ الحوار الدائر بين الفريقين، وإلى حين كتابة هذه الأسطر، فإن الجانبين لم يتمكنا من التوصل إلى صيغة للتزاوج بين هذين المطلبين، ومن المحتمل جداً ألا يتوصلا إلى النتيجة المطلوبة. ولعلّ هذا الواقع دفع «مصادري» المذكورة في أول الكلام إلى وصف أحاديث الحرب مع إيران بتعبير «عاصفة في فنجان».

غير أن قراراً واحداً اتخذ في هذا المجال وبدأ العمل على تنفيذه على أوسع نطاق، وهو الارتفاع تدريجياً، وبسرعة محسوبة، في مستوى خلق أجواء حربية كلامية، بحيث يظهر الوضع وكأن الحرب آتية لا محالة، وبأسرع مما يتوقع المتوقعون، على أمل أن ينجح هذا الأسلوب في إدخال الرعب في نفوس القياديين الإيرانيين، فيقدمون على السير إلى الوراء خطوة أو خطوتين أو اكثر، تتخذها الإدارة الأميركية ذريعة شرعية في الشروع بالمفاوضات مع نظيرتها الإيرانية من مركز القوة وليس من مركز التساوي بالقوة الذي ترفضه واشنطن بشكل قاطع

انطلاقاً من ذلك، فإن الأزمة سوف تزداد اشتداداً «كلامياً» في الأيام والأسابيع المقبلة، خصوصاً أن الضوء الأخضر أُعطي للبنتاغون والخارجية الأميركية، إضافة إلى البيت الأبيض، باستخدام أسلوب تسريب المعلومات، حول إمكان وقوع الحرب، على أوسع نطاق. وقد تمّ تشكيل جهاز تشرف عليه لجنة خبراء في الحرب النفسية يدير عملية تسريب المعلومات هذه.

سيناريو الثمانينيات

آخر المعلومات المسرّبة، وليس المتسرّبة، ما نشرته جريدة «الصنداي تلغراف» البريطانية نقلاً عن مصدر مخابراتي أميركي رفيع المستوى (لم تسمه الجريدة)، أن الرئيس بوش مع حلقته الضيقة اتخذوا الخطوات اللازمة لوضع الولايات المتحدة الأميركية في «مجرى الحرب مع إيران»، وأن دائرة التخطيط العسكري في البنتاغون قد انتخبت أكثر من ألفي هدف داخل إيران لضربها في الساعات الأولى من نشوب النزاع، وأن هناك خشية تلف الجميع من فشل الجهود الدبلوماسية مع إيران، خصوصاً أن المفاوضات حول المفاعلات النووية الإيرانية مكتوب لها الفشل.

معلومة أخرى سُربت تفيد أن البنتاغون، مع المخابرات المركزية الأميركية، باتوا على «قناعة» من أن البيت الأبيض بدأ برنامجاً تدريجياً يمكن أن يؤدي في النتيجة إلى عملية عسكرية مكشوفة ضدّ ايران. والسيناريو الموضوع لهذا الغرض هو أن يضاعف البنتاغون، في الأيام المقبلة، حملته العلنية ضد التدخل الإيراني العسكري المباشر في العراق، بحيث يتخذ من هذا التدخل، ذريعة للبدء بهجمات منظمة ومنسقة داخل الحدود الإيرانية، ولأهداف مرسومة سلفاً مما يضع البلدين في حالة «حرب حدود» غير معلنة، تمهّد لحرب معلنة شاملة.

وهذا المقطع من السيناريو يشبه إلى حد بعيد بداية الحرب العراقية–الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي. هذه الحرب لم تبدأ في العام 1980، كما تقول كتب التاريخ، بل في نهاية العام 1979، عندما بدأت القوات العراقية بتدمير المراكز الحدودية الإيرانية، ثم توغلت قليلاً، إذ هاجمت مراكز تجمعات حدودية إيرانية، مما دفع ايران إلى الرد بالمثل فاتخذها صدام حسين ذريعة لإعلان الحرب الشاملة ضدّ نظام الخميني.

قاعدة الفجر

معلومة مسرّبة أخرى تقول إن وزيرة الخارجية رايس قد اوقفت نشاطها في السعي إلى حل سلمي مع إيران يُبنى على المفاوضات، وانضمت إلى مجموعة الصقور التي يتزعمها نائب الرئيس ديك تشيني، وفي السيناريو نفسه أن الولايات المتحدة سوف تغير على «قاعدة الفجر» التي يديرها الحرس الثوري في جنوب إيران مما يستدعي رداً إيرانياً عنيفاً يبدأ بإغلاق بعض منابع وطرق نقل النفط في المنطقة. وهذا العمل، حال حدوثه، سوف تعتبره واشنطن عملاً عدائياً ضد الاقتصاد العالمي، فتعمد الى شن سلسلة غارات على مراكز إيرانية ذات الطابع الاقتصادي والعسكري ومن ضمنها مراكز المنشآت النووية. وفي حال الرد الإيراني فإن الولايات المتحدة ستعلن الحرب الشاملة ضد إيران.

هذه المعلومات المسرّبة تبقى في إطار «الحرب النفسية»، ولن تأخذ مداها الجدي قبل أن يستكمل بوش وتشيني عملية «المصالحة» مع الذين يعارضون مبدأ هذه الحرب، وبصورة خاصة مع عدد من جنرالات البنتاغون الذين، كما تقول الشائعات، هددوا بالاستقالة من مراكزهم القيادية وعلى شاشات التلفزيون، في حال اتخذ بوش قراره النهائي بشن هذه الحرب.

هؤلاء الجنرالات لا يقلّون تشدداً عن رئيسهم في عدم محبة النظام القائم في إيران وبالتالي الرغبة في الخلاص منه، لكنهم، في الوقت نفسه، ينظرون إلى القضية على أساس «ما يمكن فعله»، وليس على أساس «ما يجب فعله». وما يمكن فعله عسكرياً في هذه الأيام العصيبة التي تواجهها الولايات المتحدة، محدود جداً. وقد ذهب بعضهم الى القول خلال مناقشة سُرّبت تفاصيلها إلى عدد من ديموقراطيي الكونغرس «يجب ألا ننسى أن هناك في العراق أكثر من مئتي ألف من حملة الجنسية الأميركية، وعلينا أن نعتبر هؤلاء بمنزلة «رهائن»، ومن واجبنا أن نحميهم من عمليات الانتقام الإيرانية. فمن أين نأتي بالقدرة البشرية لحمايتهم، وفي الوقت نفسه نفتح جبهة جديدة في إيران؟ إن الإنكليز قد تنبهوا قبلنا إلى هذه المعضلة، فأخرجوا جنودهم بعد أن اعتبروهم «مشاريع رهائن» إلى حيث يمكن نقلهم بسهولة الى المراكز الآمنة. إن الكلام عما يجب أن نفعله من دون النظر الى ما يمكننا ان نفعله هو غاية في... الغباء».

لعل كلام جنرالات البنتاغون هذا الذي تسرّب، ولم يُسرّب، إلى أقطاب الحزب الديموقراطي وربما إلى غيرهم، هو الذي دفع مصادري الصديقة في العاصمة الأميركية إلى قول ما نقلته في بداية هذا الكلام: إن أحاديث الحرب مع إيران هي أشبه بـ«عاصفة في فنجان».

* كاتب لبناني