المصطلح سيد الحوار
تعيش مجتمعاتنا الشرقية لوثة من المصطلحات المسطّحة، غير العلمية، التي غالباً ما تساهم في خلق مزيد من المشاكل... ويظهر ذلك في مفردات كاذبة وما أكثرها، يجري استخدامها بكل ثقة في خطب سياسية رفيعة، وتحليلات صحفية رصينة. أول العمود: لماذا يراجع 75 ألف كويتي مستشفى الطب النفسي؟ ...الرقم أعلنه وزير الصحة منذ مدة قصيرة. *** حينما يقترب أي مجتمع من الجهالة وتسطيح الأمور وازدراء العلم والعلماء الحقيقيين، تظهر لديه النزعة إلى الراحة والبعد عن «منغصات» التفكير السليم النابع من روح القلق الصحي. في حياتنا اليومية مفردات كاذبة وما أكثرها، يجري استخدامها بكل ثقة في خطب سياسية رفيعة، وتحليلات صحفية رصينة، ومداخلات أساتذة جامعيين، وكتاب ومحللين، وسنختار من تلك المصطلحات الوهمية ونعلق عليها بشيء من الاختصار: مجتمع الأسرة الواحدة: ليس هناك من دليل علمي على وجود مثل هذا المفهوم في أي مجتمع في العالم، فكيف بالكويت، فحتى داخل الوحدة الاجتماعية المسماة بـ«الأسرة» هناك اختلافات فكرية وعاطفية ومزاجية لأفراد الأسرة الواحدة، وهكذا هي فئات المجتمع المتعارضة المصالح والطموحات... بل حتى الحكومة تعتنق أحيانا أفكاراً مغايرة لأفكار الشعب. «فلان» إعلامي: ويطلق على أي فرد يعمل في وسائط الإعلام المختلفة لكن هذا المصطلح لا معنى له ولا مقابل له في الوظائف الموجودة في المجتمعات الغربية مثلاً، هناك صحافي، ومقدم برامج، ومذيع، أما إعلامي فهي مهنة من لامهنة له. حقوق المرأة: مصطلح يحمل في طياته تمييزاً منبوذاً، ولأن الرجل مارس تاريخياً التمييز ضد المرأة، فأصبحت لدينا ثقافة وقوانين وشرعة حقوقية سميت بحقوق المرأة، ترعاها الأمم المتحدة... لكن الأصل يجب أن يصبّ في مفهوم حقوق الإنسان أو البشر جميعاً رجالاً و نساءً. حكومة رشيدة: وهو مصطلح تطلقه الحكومات الكويتية المتعاقبة على نفسها، لكنه مفهوم غير دقيق لأنها جميعها ارتكبت أخطاء، بعضها يُغتَفر ويُنسَى، وبعضها كارثي وينمّ عن سوء تخطيط، ولأن مفهوم الحكم الرشيد الذي تتداوله منظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، يحمل مواصفات محددة فإن الاقتراب من هذه المواصفات هو الذي يخلع على حكومة ما بأنها رشيدة، وليس صحيحاً أن أي حكومة تولد للتو تكون رشيدة. شـيخ دين: ليس في الدين شيوخ أو شباب ، فالدين علم، فإما عالم دين، أو نصف متعلم في الشريعة يأبى إلا أن يضيف إلى نفسه لقبأً لزوم الشكل الخارجي، وبالمناسبة لم نسمع عن هذه الكلمة حتى في أيام خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. البترول ثروة ناضبة: هذه بحد ذاتها كذبة كبيرة، لأن من يستثمر ثروة النفط بشكل مسؤول يخلق أجيالاً من العلماء، ويقيم اقتصاداً يعتمد على مصادر تنموية أخرى، وما راج هذا المصطلح إلا بسبب التعامل الريعي لهذه الثروة التي تنضب عندما توزع كهبات أو رواتب غير مفصلة على طبيعة العمل. نائب إسلامي: صفة للترويج الانتخابي، ودستور الدولة يوضح شكل اللعبة السياسية من خلال مواده، فماذا تعني هذه الصفة في بلد مسلم؟ وهل يمنع أن يكون النائب إسلامياً وليبرالياً في آن؟! الإجابه: «لا» كبيرة! مطلّقات: كثيراً ما تنبه وزارة العدل أو المصلحون الاجتماعيون في الكويت إلى خطورة الوضع الاجتماعي بالقول إن نسبة المطلقات في المجتمع الكويتي وصلت إلى %50 وهذا صحيح، لكن لايقال إن المطلّقين «الذكور» وصلوا إلى %50 في المئه، تفسيرنا أن المشاكل الاجتماعية دائماً تلقى على المرأة، فهي حاملة العيوب. إذن، يعيش الإنسان –وأخص مجتمعاتنا الشرقية– في لوثة من المصطلحات المسطّحة، غير العلمية، التي غالباً ما تساهم في خلق مزيد من المشاكل... ويظهر ذلك في حواراتنا اليومية المتشنّجة، بسبب مصطلح مبهم خرج من فم غبي.