الحديث عن مدن ومعالم سنغافورة ممتد لا ينتهي، وتفوقها على كل ما عداها من الدول، بتحولها من حال مزرية إلى حال تتلألأ بالنظافة، هو سبب ذلك التميز.
في عام 1968، استهلت الحملة الوطنية لتنظيف سنغافورة من الأوساخ والقاذورات، تزعمها آنذاك الرئيس الأسطوري السيد لي كوان يو، وبعد جهود متواصلة، وتحت ظروف مناخية أجبرت فيها على التحدي، حيث الرطوبة العالية وما تسببه من تراكم سريع ومميت للبكتيريا والفطريات، تجاوزت سنغافورة الهدف المرجو من الحملة، عندما تراجع العدد المطلوب من العمالة لتنظيف أحد شوارع المدن من 8 + 8 أي ثمانية عمال ولمدة ثماني ساعات عمل يتخللها ساعتان ونصف الساعة استراحة، إلى 1 + 1، أي عامل واحد يعمل لمدة ثماني ساعات -مستعيناً بمكنسة كهربائية ضخمة- يتخللها ساعة للاستراحة، واستكملت المهمة في عام 1977 عندما كان قرار الرئيس آنذاك بالتوجه إلى السواحل، التي استغرق تنظيفها 10 سنوات، وتحولت الآن إلى أحد أهم المنتجعات البحرية، لتخلق قيمة مضافة لجمال المدينة واقتصادها. وللمحافظة على استمرار الوجه المشرق والنظيف، يتم تطبيق عقوبات صارمة في سنغافورة تستند إلى إهانة من يستحق ذلك من البشر كائنا من يكون، عندما يصل الأمر إلى التعدي على جمالها، فالعلكة ممنوعة بالقانون، كما يُجبر المتعدي على عقوبات لا تتوقف عند دفع غرامات مالية، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى تنظيف موقع الجريمة لعدد محدد من الساعات قد تصل إلى 12 ساعة، مرتدياً زياً ذا لون يميز جريمته، ومن أشهر تلك الأحداث ما حصل لأحد رجال الأعمال عندما غافلته الريح وتطاير المنديل الذي كان يهم باستخدامه خارج نافذة المركبة التي يقودها، فكانت العقوبة بأن يقوم هو و120 متهما آخرين بتلويث البيئة، بأعمال المسح والتنظيف في أحد أشهر شوارع سنغافورة، ناهيك عن العقوبات التثقيفية كتلقيهم دروسا في خطورة تلويث البيئة.ما حدث ويحدث لسنغافورة ليس في النهاية معجزة، لأن من أسس البلد الصغير بحجمه، العظيم باقتصاده، -ومن خلفه- ليسوا ممن يحترمون القوانين بشدة فحسب، بل هم من لا يسمحون أيضا لسيادة الإنسان العبث بالبيئة، وتشددهم في تطبيق العقوبات على تلوث الشوارع أكثرها إبهارا، في حين أن مظاهر التلوث لدينا أكبر من مجرد تطوع عدد من الشباب المتعلم برمي كل شيء خارج نافذة مركبته إلى الشارع، ومن يتصور منهم أنه يحمل البيئة جميلاً عندما يقوم بالرمي بعيداً عن الشارع إلى الرصيف، دون رادع ذاتي ولا إجرائي، وأعمق من خطورة أن يقوم عمال التنظيف بالبحث داخل صناديق القمامة، فمصيبتنا في التلوث لا يمكن استيعاب حجمها، إلا بالتوقف عندما قام بعض كبار الملاك، وتبعهم الصغار، باختراق نظم المياه الارتوازية في منطقة الوفرة الزراعية، وحفروا آباراً عميقة داخل مزارعهم، لم تتسبب فقط في إغراق الأراضي الزراعية، بل اخترقت الأمن الوطني باعتبار المياه مخزوناً استراتيجياً، فخسرنا المياه وكذلك الأراضي الزراعية.من دون التوقف عند أحداث بهذا الحجم، والمحاسبة لمنع تكرارها، يصبح الحديث عن حماية البيئة وعن أملنا في الحصول على أمثال السيد لي كوان يو، أساطير لن تتحقق.
مقالات
الحال والحل: التميز في كل شيء
16-07-2007