العرب من التقسيم الجغرافي إلى العرقي والطائفي؟
بعد الحرب العالمية الأولى قررت بريطانيا وفرنسا فرض انتدابهما على دول في المشرق العربي هي العراق وسورية وفلسطين على أساس جغرافي، أما المشروع الأميركي الجديد الصريح والصارخ عام 2006، فإنه يدعو إلى تقسيم الدول العربية الرئيسة إلى دويلات صغيرة على أساس عرقي وطائفي.
لقد تطلّبت مصالح الدول الغربية التى تصارعت في الحرب العالمية الأولى على مناطق النفوذ في العالم، خصوصاً في العالم العربي، إسقاط الدولة العثمانية واستكمال احتلاله، ومن ثَمّ تقسيمه، ورسم حدود وخرائط جديدة بموجب اتفاقية «سايكس بيكو» 1916، ثم توزيع الدول الجديدة على الدول الاستعمارية سواء كان ذلك بالاحتلال أم بتقاسم المصالح الاقتصادية، ولما كانت بريطانيا وفرنسا هما القوتان الاستعماريتان التقليديتان اللتان كسبتا الحرب العالمية الأولى فقد أدتا دوراً أساسياً في السيطرة على ما تبقى من المشرق العربي، ثم تقسيمه واستغلال خيراته، وفي أثناء تسويات ما بعد الحرب في مؤتمر الصلح في باريس 1919 بدأ الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط، منطلقاً من دور أميركا في دعم الحلفاء في الحرب، ولابد من تقاسم المصالح في الوقت الذي تأكد فيه وجود النفط بكميات تجارية في هذه المنطقة، وبدأ يلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي كمادة أساسية للطاقة في الصناعة الحديثة، وكان أن واجهت الطموحات الأميركية بعض التردد والتسويف، وربما الرفض من قبل بريطانيا وفرنسا اللتين تقرر فرض انتدابهما على دول في المشرق العربي هي العراق وسورية وفلسطين، فلجأت الولايات المتحدة إلى أسلوب الضغط على الدول الاستعمارية الأوروبية التي كانت تسعى إلى اقتطاف ثمار الحرب، فطرحت مبدأين: سياسة الباب المفتوح وعدم الاحتكار، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومن خلالهما تمكّنت من أن تكون لها حصة في المنافسة على نفط منطقة الخليج العربي. إن المنطلق الاستراتيجي لتلك الدول الغربية في عالمنا العربي كان إضعافه سياسياً واقتصادياً وإبقاءه متخلفاً، ثم إقامة إسرائيل في المنطقة حتى تحقق أهدافها ومصالحها، وكان لها ما أرادت، فكانت مشاريع تقسيم الخريطة العربية جغرافياً هي البداية، لتكون مشاريع تقسيم الخريطة الاجتماعية والاقتصادية على أساس عرقي وطائفي هي النهاية.وفي التسعينيات طرح مشروع بيريز للشرق الأوسط الكبير، وهو مشروع اقتصادي يهدف إلى التطبيع مع العرب وإلغاء المقاطعة الاقتصادية ودخول إسرائيل إلى الأسواق العربية، ومن ثم التأثير فيها وقيادتها، ثم جاء مشروع أميركا للشرق الأوسط الجديد بعد احتلالها أفغانستان والعراق، والذي شابه الغموض حول دوافعه وأهدافه إلى أن وصلنا إلى مشروع أميركي جديد صريح وصارخ عام 2006، يدعو إلى تقسيم الدول العربية الرئيسة إلى دويلات صغيرة على أساس عرقي وطائفي، فقد نشر موقع مجلة القوة العسكرية الأميركي الرسمي الإخباري في شهر يوليو 2006 خريطة جديدة للعالم العربي مرفقة بمقال للجنرال المتقاعد رالف بيتر يشرح فيها التقسيم الجديد للمنطقة على أساس عرقي وطائفي، وذلك بتقسيم العراق إلى ثلاث دول كردية وشيعية وسنية، وتقسيم السعودية إلى دولتين هما: الدولة الإسلامية، والدولة السعودية واقتطاع أراضٍ من المملكة لمصلحة الأردن واليمن، وكذلك تقسيم إيران وأفغانستان، ومضاعفة أراضي الأردن ليكون الوطن البديل للفلسطينيين.وإذا كانت تلك المشاريع كما يبدو نظرية إلا أن العمل من أجل تطبيقها مستمر، فقد أصبحت الساحة العربية بتناقضاتها وحروبها البينية الإثنية وصراعها، وعجز قوى الاتحاد والتكامل العربية عن الفعل والتأثير مهيأة لتنفيذ مثل تلك المشاريع التقسيمية، فقد انتقل القول إلى الفعل.