Ad

الفقير أصبح بين نار تلبية الاحتياجات المتزايدة لأسرته في ظل هذا الوضع المجتمعي المشوه الذي لا يراعي ولا يرحم مستوى دخله المنخفض، ونار الاقتراض وما يترتب عليه من تبعات مالية ونفسية.

لا أعرف، وقت كتابة هذا المقال، ما ستسفر عنه جلسة مجلس الأمة (أمس) المخصصة لمناقشة شراء الحكومة لمديونيات المواطنين وإسقاط فوائدها، لكن بغض النظر عن نتائج الجلسة التي تتجاذبها الرياح المصلحية من كل حدب وصوب، فإن هناك عدداً لا بأس به من المواطنين يعانون الأمرّين من موضوع القروض الاستهلاكية التي اجبروا عليها في ظل اقتصاد ريعي غير منتج، خلق مجتمعاً استهلاكياً بذخياً لم يعوِّد أفراده على قيم التوفير والادخار وكيفية التأقلم مع المصاعب المالية ومواجهة ظروف الحياة المتغيرة، وتتسابق حكومته وبرلمانه من خلال المزايدة فيما بينهما على تشجيع نهم النزعة الاستهلاكية التي أصبحت - للأسف - نمطاً اجتماعياً عاماً في المجتمع.

فغالبية المواطنين تحاول الظهور بمظهر لا يعكس وضعها الاقتصادي من خلال الادعاء الزائف بالغنى والرغبة الجامحة في اقتناء المزيد من الكماليات التي بدأت تصبح لديها من الضروريات، لذا فالمواطن الفقير أصبح بين نار تلبية الاحتياجات المتزايدة لأسرته في ظل هذا الوضع المجتمعي المشوه الذي لا يراعي ولا يرحم مستوى دخله المنخفض، ونار الاقتراض وما يترتب عليه من تبعات مالية ونفسية.

هذه الفئة من المواطنين ذات الدخول المحدودة جداً التي لديها عائلات ممتدة وتضطر إلى الاقتراض لسد الحاجات الضرورية لأسرها في ظل الظروف العامة للمجتمع الاستهلاكي، هي من تحتاج إلى تدخل الحكومة وبشكل عاجل لمساعدتها، أما من اقترض لمجرد المباهاة بالسكن أو نوع السيارة أو للسفر السياحي أو غير ذلك من أمور كمالية، فمن عدم المساواة أن تتكفل الدولة بشراء مديونيته وإسقاط فوائدها.

إن ما يجعل غالبية المواطنين تتفاعل مع المطالبة بإسقاط القروض أو شراء المديونيات وإسقاط الفوائد التي يطرحها بعض الأعضاء بشكل يغلب عليه الطابع الانتخابي الشعبوي، هو ما تتخذه حكوماتنا المتعاقبة من سياسات لا تستند إلى أسس عادلة ولا تطبق مبدأ المساواة الذي شدد عليه الدستور، كعملية شراء ما يسمى المديونيات الصعبة مثلاً، وعملية شراء مديونيات من اقترض من المواطنين، بما فيها القروض الإسكانية بُعيد التحرير، وكذلك القرارات التي تتخذها الحكومة بشكل مفاجئ بعد رفضها المستمر لها كعملية إسقاطها لجزء من «فواتير» الكهرباء والماء على سبيل المثال، وأيضاً عدم اطمئنان المواطنين لمتابعة الحكومة للتجاوزات المالية الضخمة في الاستثمارات الخارجية وسرقات الناقلات وغيرهما، وكثرة ما يسمع المواطن ويشاهد من عمليات التنفيع والفساد السياسي والمالي، التي أشار لها أخيراً تقرير منظمة «الشفافية» الدولية الذي أدرج الكويت في موقع متقدم عالمياً في عملية الفساد السياسي والمالي.

يضاف إلى ذلك، عدم تلمس المواطنين بشكل مادي بأن الفوائض المالية الضخمة التي توافرت نتيجة للارتفاع الأخير في أسعار النفط، قد انعكست على تطوير وتحسين الخدمات والمرافق العامة، فالجامعة الوحيدة عبارة عن مبان قديمة متفرقة، وكذلك كليات التعليم التطبيقي التي لاتزال في المدارس القديمة لوزارة التربية، ناهيك عن التجهيزات العلمية اللازمة داخل كل صرح منها التي لا ينطبق عليها وصف تجهيزات علمية لصرح تعليمي حديث، أما الخدمات الصحية ونوعية المستشفيات ومستوى التعليم العام ومدة انتظار السكن الحكومي... فحدّث و لا حرج.

الآن، فإن على الحكومة، التي يتضح أنها مترددة، الاعتراف بأن هناك مشكلة قد لا تكون عامة، لكنها من الممكن أن تتفاقم وتصبح عامة فى ظل النمط الاستهلاكي الحالي، ثم عليها، أي الحكومة، أن تعلن عن جميع المعلومات والبيانات التفصيلية التي لديها بشأن حجم المشكلة وطبيعتها وأسبابها وآثارها الحالية والمستقبلية، فالمعلومات المتوافرة الآن من الأطراف جميعها، بما فيها الحكومة، متناقضة، وينقص التعريفات المستخدمة فيها الدقة من ناحية من هم المُعسرين وكيفية تحديد عددهم؟

وحتى لا تضيع حلول مشكلة المواطنين الفقراء الذين اضطروا إلى الاقتراض والعاجزين عن السداد في «غبار» ومزايدات الوعود الانتخابية البراقة وغير الواقعية لبعض النواب، أو في رياح تعنت وعدم اعتراف الحكومة، فإنه لا بد من مبادرة حكومية و/أو برلمانية واقعية وعملية وسريعة لمعالجة مشكلة هذه الفئة والمحافظة أيضا على كرامتهم الإنسانية.