Ad

إن حق الشكوى هو حق يقف جنباً إلى جنب مع حق التقاضي الذي كفله الدستور في ما نصت عليه المادة 166 من أن «حق التقاضي مكفول للناس»، وهما حقان لا يلغي أحدهما الحق الآخر بل يكمله، لأنهما يكونان معاً منظومة واحدة هي حق وحرية الدفاع التي هي أصل الحقوق والحريات جميعاً.

أثار مقالي الاثنين الماضي «حلول الاستجواب محل الرقابة القضائية» تعليقات بعض القراء، منها تعليق على السؤال الذي طرحته حول سبب عدم لجوء الموظف إلى القضاء، طعناً بالإلغاء على قرار إداري صادر بحقه مخالف للقانون، بدلاً من اللجوء إلى نائبه في مجلس الأمة، ليصبح هذا القرار أحد محاور استجواب يوجهه النائب إلى الوزير، والموظف يعلم أن ولاية القضاء بإلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون هي الأجدى والأبلغ أثراً من أي استجواب، حتى لو نجح هذا الاستجواب في إقصاء الوزير من منصبه، لأن القرار الصادر في حق الموظف سوف يصبح رغم ذلك حصيناً من الإلغاء، بعد أن فوت الموظف ميعاد الطعن عليه أمام القضاء.

وكان تعليق القارئ، بأن إجابتي عن السؤال السابق، قد جاءت غير منصفة من ناحيتين، أولاهما: أن الشكوى إلى مجلس الأمة هي حق دستوري لكل شخص، فرداً عادياً كان أم موظفاً، وثانيتهما، قد لا يستطيع الموظف تحمل تكلفة التقاضي من المال والوقت.

ومع تقدير -من دون بخس- ما أثاره هذا التعليق، فإن الأمر يقتضي إلقاء الضوء على المسألتين اللتين أثارهما، بدءاً بحق الشكوى إلى مجلس الأمة، وأتفق معه تماماً في أنه حق من الحقوق الدستورية التي كفلها الدستور، في ما نصت عليه المادة 45 من «أن لكل فرد أن يخاطب السلطات العامة كتابة وبتوقيعه».

وأعتقد كذلك أن حق الشكوى هو حق يقف جنباً إلى جنب مع حق التقاضي الذي كفله الدستور في ما نصت عليه المادة 166 من أن «حق التقاضي مكفول للناس»، وهما حقان لا يلغي أحدهما الحق الآخر بل يكمله، لأنهما يكونان معاً منظومة واحدة هي حق وحرية الدفاع التي هي أصل الحقوق والحريات جميعاً، لأنها تدفع عنها جميعاً العدوان عليها، كما ترتبط هذه المنظومة ارتباطاً وثيقاً بالعدل والحريات والمساواة، وهي المقومات الأساسية للمجتمع التي نصت عليها المادة 7 من الدستور، فلا عدل بغير توافر حق الدفاع، وكل قيد يرد على ممارسة حق الدفاع هو غل في عنق العدالة، وطريق ممهد للحاكم ولغيره للعدوان على الحقوق والحريات، كما أنه لا سبيل لتحقيق المساواة بين الناس كافة ما لم يجدوا ملاذاً أميناً ينتصف لهم من أي إخلال بالمساواة، سواء كان مسؤولاً أم كان قاضياً.

إلا أن حق الدفاع، هو حق سابق على القانون وعلى الأديان جميعاً، بل هو سابق على نشأة المجتمعات الحديثة، وعلى تشكيلاتها البدائية، فقد استخدمه الإنسان منذ بدء الخليقة ضد قوى الطبيعة وضد الوحوش الضارية، بل هو حق طبيعي لسائر الكائنات الحية، لأن القانون الطبيعي الأول هو المحافظة على البقاء، وعندما انتقل الإنسان من الحالة الطبيعية التي كان فيها حراً من كل قيد إلى الحالة الاجتماعية التي أصبح عليها، أصبح القانون ضرورة حتمية في حياته، ينظم من خلاله حق الدفاع، في صورتيه الراقيتين، حق الشكوى وحق التقاضي.

ولم يكن الدستور الكويتي بغافل عن إعطاء دور أصيل لمجلس الأمة في تلقي شكاوى المواطنين، كإحدى وسائل الرقابة البرلمانية التي يمارسها على السلطة التنفيذية، فاختص لجنة العرائض والشكاوى بنص خاص، لم يختص به لجنة أخرى من لجان المجلس سوى لجنة إعداد مشروع الجواب على الخطاب الأميري، بأن نصت المادة 115 من الدستور في فقرتها الأولى على أن «يشكل المجلس ضمن لجانه السنوية لجنة خاصة لبحث العرائض والشكاوى التي يبعث بها المواطنون إلى المجلس، وتستوضح اللجنة الأمر من الجهات المختصة، وتعلم صاحب الشأن بالنتيجة».

وبذلك جعل الدستور من لجنة العرائض والشكاوى وسيطاً بين مقدم الشكوى والجهات الحكومية المختصة، وهو ما تقضي به المادة سالفة الذكر صراحة في ما نصت عليه من أن: «تستوضح اللجنة من الجهات المختصة» و«تعلم صاحب الشأن بالنتيجة»، وهو ما رددته المادة 155 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وهو ما أكده الخبير الدستوري في مناقشات المجلس التأسيسي عندما سُئل عن ماهية الشكاوى والعرائض فأجاب «بأن الشكاوى حق للمواطنين أكثر منها حق للمجلس، فالمجلس كل مهمته في هذا الشأن هي أنه وسيط بين المواطن والحكومة، والواقع أن المواطن أقرب إلى ممثله في المجلس منه إلى الوزير أو منه إلى الموظف في الحكومة، فيجد باب مجلس الأمة أقرب إليه من أن يلجأ بشكواه إلى الوزير نفسه مباشرة، وقد تلقى الشكاوى عند الوزير إهمالاً نظراً لكثرة الأعمال التنفيذية، لذلك درجت كل البلاد على أن تعطي للمواطنين الحق في أن يقدموا الشكاوى... إلى مجلس الأمة، ومجلس الأمة ليس مختصاً بأن يبحث هذه المسائل بحثاً دقيقاً لأن هذا من اختصاص السلطة التنفيذية، إذن مهمته –حتى لا نخيب أمل الناخبين في المجالس النيابية– أن يقوم بمهمة شبه وساطة للمصلحة العام بين المواطنين والوزارات المختصة، فتبحث اللجنة الأمر مع الوزير، والوزير يرد عليها بالبيانات التي يراها ويقوم المجلس بتبليغها لصاحب الشأن وليس في الأمر أكثر من هذا» (مضبطة الجلسة 21 ص 36 و37).

وقد تضمنت المادة 156 من اللائحة الداخلية صلاحيات اللجنة بإبداء الرأي مسبباً في الشكوى بعد فحصها في ضوء ما تقدمه الجهات المختصة من إيضاحات خاصة بها مقترحة إما حفظ الشكوى، أو الإحالة إلى الوزارة ذات العلاقة أو إلى اللجنة المختصة في المجلس، أو وضع مشروع قرار، أو مشروع قانون، بما تراه في الموضوع.

وبذلك حدد الدستور واللائحة الداخلية الإطار الذي يتم من خلاله فحص شكاوى المواطنين، كما اختصت اللائحة الداخلية، لجنة العرائض والشكاوى بأحكام خاصة، تختلف عن الأحكام التي تخضع لها سائر اللجان، فعهدت المادة 156 من اللائحة للجنة، باقتراح مشروع قانون بما تراه في الموضوع، وهو ما لم تعهد به إلى لجنة أخرى، كما قصرت عملها على طلب إيضاحات من الوزراء حول هذه العرائض والشكاوى، وبما تقصر عنه سلطة هذه اللجنة عما تطلبه سائر اللجان من مستندات عند بحث موضوع معروض عليها وبما لا يجوز معه دعوة الوزير إلى حضور اجتماعات اللجنة لفحص العرائض والشكاوى، مثلما يدعى في باقي اللجان، ما لم يكن هناك المقتضى لذلك، بأن شكل موضوع الشكوى أو العريضة ظاهرة عامة، رأت اللجنة أن تعد في شأنها مشروع قرار أو مشروع قانون.

وبذلك أورد الدستور واللائحة الداخلية تنظيما للشكاوى والعرائض التي تقدم إلى مجلس الأمة، وذلك بما لا يخلّ بمبدأ الفصل بين السلطات، وبما ينأى بأعضاء مجلس الأمة عن التدخل في أعمال السلطة التنفيذية، ولعل المشرّع الدستوري إدراكاً منه لهذه الحقيقة حرص على أن يؤكد هذا المعنى في المادة 115 في فقرتها الثانية التي نصت على أنه «ولا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في عمل أي من السلطتين القضائية والتنفيذية»، بعد النص في فقرتها الأولى على تشكيل لجنة العرائض والشكاوى.