الآن نستطيع أن نهلل ونبارك للدولة، ونشد على يدها لأنها فرضت سيادة القانون، واثبتت أن لا أحد فوقه.

Ad

صوت الجرافات وهي تزيل التعديات على أرض هذا الوطن بحق هو أجمل صوت يمكن سماعه هذه الأيام؛ لأنه أعاد إلينا فرحة الإحساس بفاعلية هذا القانون، وضرورة احترام هيبته، ولأن التعدي فاق الحد، وأصبحت أراضي الدولة نهبا لأيٍ كان، وأصبح المواطن الملتزم بالقانون يشك في قيمة التزامه وفي معنى احترامه لقانون دولته، وهو يرى الجميع من حوله يقتطعون حصصهم من كيكة هذا الوطن، وكلما اقتطعت حصصا اكبر برهنت بحبك لها أكثر، فكلما احببنا الكويت اكثر، نقتطع منها تذكارات اكبر. وهو البرهان والتأكيد على إثبات مقدار حبنا لها، مما جعل من المواطن الملتزم بحدود منزله، وبتسديد فواتيره، وباحترام مواعيد عمله، وباتباعه النزاهة والصدق في معاملاته، والتزامه بتنفيذ القوانين والقرارات كما هي، حسب شروطها وليس شروط مصلحته ووفق فائدته الخاصة، يبدو قليل الشأن ضعيفاً وبلا قيمة، أما المواطن الذي لم يقتطع ولم ينهب شاليها أو ديوانية أو جاخورا، ولم يبن حظائر أو مزرعة، حمام سباحة، وغرف «كيربي» للإيجار، أو حتى مخازن للتأجير، وخيما وملاعب ومساكن للخدم، وكراجا للتصليح والحدادة... الخ، هذه العجائب التي كشفتها لنا جرافات البلدية، فهذا المواطن بات أمره غريباً عجيباً... ووجوده محيراً، ومشكوك في طبيعة ولائه؛ لأنه استثناء من قاعدة بدأت تستشري، ولو لم يُسعف القانون وتُنقذ هيبته التي ضاعت بين أيدي من تناهبوه، أقول لو لم يُنقذ منهم ويُفرض حضوره وسطوته في آخر الأمر، لضاع منا حتى هذا المواطن الشريف الملتزم، لأن القاعدة ستستشري وتبلع معها كل استثناء.

سيادة القانون هي سيادة الحضارة، والتزامنا به هو ترجمة تعبيرنا عن سلوكنا الحضاري، وفهمنا لثقافة إنتاج هذه القوانين ومدى احترامنا لها هو وجه وعينا الثقافي به وبأنفسنا.

كلما زرت بعض البلدان ذات القوانين الفالت معيارها، والتي ليس لها أيّ هيبة واحترام، أجد قانوني الداخلي الآتي معي من بلادي يمنعني ويردعني من الانسياق في فوضى ما أراه أمامي، وأقرب مثال حين لا يكون هناك في الشوارع إشارات مرور تحترم من قبل الناس، أجدني لا أستطيع العبور، سواء مشيا على الأقدام أو بقيادة السيارة، فعقلي به قانون المرور العالمي، لا أعرف كيف أتشكل مع اللاقانون والجهل والفوضى؛ لذا وُجدت القوانين لكي تنظم لنا حياتنا ومن غيرها سنعود الى عالم الغوغائية وشريعة الغاب.

لا أنسى تلك الأيام الرهيبة اثناء الغزو الصدامي... وما تبعها من بعد التحرير، وخلو الوطن من أي شكل للانضباط والالتزام بالقانون، تلك الأيام والليالي بالذات كانت مريعة، يتقافز فيها «الحرامية» من بيت إلى بيت، وخصوصا المنازل الفارغة من أهلها؛ مما جعلنا نعيش الليالي في خوف من مداهمة الذعر والشر والخطر.

يجب ان نفرح بهذه القوانين التي تضبط أمننا وممتلكاتنا وتحمي حياتنا، وأن نلتزم بها بمتعة وسعادة؛ لأنها في الواقع هي السور الذي يحمي حقوق وطننا، وحقوق غيرنا وحقوقنا، والتزامنا به هو معيار وعينا الثقافي والحضاري... فأهلاً بسيادة القانون ومرحباً بصوت الجرافات العالي.