الحكومة بين حماد وعوعو!
الحزم والهيبة والشدة وعدم التهاون في تطبيق القانون دونما تعسف أو ظلم، أمور ضرورية لبقاء أي حكومة واستقرارها ولأمن وأمان مواطنيها، ومن حق الحكومة أن تستخدم جميع الأدوات الممكنة لتحقيق ذلك، سواء أعجب الناس ذلك أم لم يعجبهم، طالما أن في الأمر نظاما وقانونا وعدالة.
حين كنا طلاباً في الأول الثانوي، كان لدينا في المدرسة مدرسان متناقضان في الشخصية والسلوك تماما، الأول اسمه الأستاذ «حماد»، قوي الشخصية جدا، فرض احترامه على الجميع طلبة ومدرسين، مع أنه لم يحمل بيده يوما عصا لكن «خزة» واحدة من عينه أو «طراقا» من كفه، كفيل بفعل ما لا تفعله مئة عصا، وكان أي طالب «يستظرف» دمه أثناء الدرس، يجد الرد المطلوب من الأستاذ حماد وبالحق والعدل والإنصاف، وعلى قدر ما يقتضيه الموقف يكون رد الفعل، ولذلك كانت حصته هي الأكثر انضباطا ونظاما وفائدة أيضا، لأنه كان يعرف متى يضحك ومتى يكون حازما، ولايزال في نظري النموذج الأفضل للمدرس الذي يصلح للطلبة في الكويت! أما المدرس الآخر «النقيض»، فصدقوني لا أتذكر اسمه، فكل ما أذكره هو لقبه الشهير «عوعو»! وقد كانت حصة الأستاذ «عوعو» حصة المسخرة والتنكيت والضحك المفضلة عند الطلبة، فالرجل كان ضعيف الشخصية لدرجة غير معقولة، يخاف من أجبن طالب في الفصل ويداري خاطره، إن تحدث تأتأ في حديثه، وإن عاقب طالبا سامحه بعد ثوان، متردد لا يحسن التصرف بأي موقف، طيب إلى حد السذاجة، يبتسم بمناسبة وبغير مناسبة، ولذلك تسيد الطلبة حصته وكان صوتهم الأعلى، وتحكموا حتى بالدرجات التي يعطيها لهم، ورغم طيبته الزائدة لم ينل احترامهم، وكانت نهايته مأساوية، فقد «تجرأ» يوما وحاول إيقاظ طالب نائم، فما كان من الأخير إلا أن حمله عاليا ثم أسقطه أرضا، ووجه له بعض اللكمات الخاطفة السريعة، فأصيب الأستاذ «عوعو» بكسر بيديه وازرقاق بعينيه، ثم بكى وسط ضحكات جميع الطلبة «قللات الأدب»، وكان هذا آخر عهدنا به!الحزم والهيبة والشدة وعدم التهاون في تطبيق القانون دونما تعسف أو ظلم، أمور ضرورية لبقاء أي حكومة واستقرارها ولأمن وأمان مواطنيها، ومن حق الحكومة أن تستخدم جميع الأدوات الممكنة لتحقيق ذلك، سواء أعجب الناس ذلك أم لم يعجبهم، طالما أن في الأمر نظاما وقانونا وعدالة، وينطبق ذلك على حكومتنا التي قررت أخيرا العمل بقانون التجمعات «المؤقت» الذي أصبح العمل به ضرورة قصوى، وسط حالة الانفلات والفوضى السياسية الناتجة عن الفرعيات «المشؤومة» التي ابتلينا بها وبأصحابها، والذين على ما يبدو لا تعني لهم كلمة «القانون» شيئا، لأنهم قد استمرؤوا تجاوزه يوما بعد يوم، حتى أصبح هذا التجاوز حقا من حقوقهم، وتطبيق القانون «نكتة» يتندرون بها في مجالسهم، ويرجمون بالحجارة من يجبرهم على تطبيقه!وحسنا فعلت الحكومة بإصرارها على تطبيق القانون، فقد حولوا القبيلة من خلال فرعياتهم إلى دولة داخل الدولة، ولم يعد أحدهم يعبأ بشيء، لا قانون ولا رجال أمن ولا أي شيء آخر، ومن الواضح أن القوم يفضلون أن تكون الحكومة «عوعو»، ليسرحوا ويمرحوا وليصنع كل منهم ما يطيب له صنعه، بعيدا عن القانون ورقابته، أما نحن فنشد على أيدي الحكومة ونتمنى أن تبقى «حمادا» دائما لمصلحة الوطن والمواطن! فما الذي تريد أن تكونه الحكومة يا ترى؟! هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة!