Ad

هؤلاء الإخوة المتمسكون بالعادة والتقليد يطالبوننا بالجمود والثبات، وهو أمر مستحيل الحدوث، فتطور وسائل الاتصالات من فضائيات وإنترنت لابد أن يحدث التغيير شئنا ذلك أم أبينا، فتمازج الحضارات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب, لابد أن يحدث أثره، وتجاهل هذا الأمر محاولة للوقوف في وجه طوفان!

كلمات مثل؛ «عاداتنا» و«تقاليدنا» و«ضوابطنا الشرعية»، أصبح تكرارها كثيراً في الأيام الأخيرة، وصارت تستخدم كسلاح مضمون لهزيمة الآخرين، بسهولة ودونما خسائر تذكر لمطلقها، فهي تضرب المخالف في الصميم، وتعود إلى قواعدها سالمة معافاة!

وهي، كما تلاحظون، تحمل صيغة الجمع، وأكثر مستخدميها هم نواب الإسلام السياسي، وهم يتكلمون عن المجتمع الذي يجاوز المليون مواطن والمليوني مقيم من الجنسيات المختلفة، كأنما يتكلمون عن أسرة صغيرة مكونة من أب وأم وطفل أو اثنين على الأكثر!

حقيقة لا أدري، لماذا لا يتكلم أحدهم بصيغة المفرد، فيقول: «عاداتي» و«تقاليدي» و«ضوابطي الشرعية»، فنحن في الواقع نختلف في معنى هذه المفردات، فعاداتي بالتأكيد تختلف عن عاداتك، باعتبار أننا شخصان اثنان, قد لا نتشابه في شيء من هذه العادات الشخصية.

وتقاليدي على الأرجح تختلف عن تقاليدك، بحكم أصولنا المختلفة، فتقاليد قبيلتي على سبيل المثال، تختلف في كثير من الأمور ربما عن تقاليد قبيلتك، وضوابطي الشرعية تختلف كثيراً عن ضوابطك الشرعية، إن كنا من مذهبين مختلفين، ومعتقدين متشاكسين!

فالأوْلى أن يتكلم أحدنا عن نفسه فقط، ولا يجمع معه الآخرين، في عاداته وتقاليده وضوابطه!

وقد يقول قائل إننا مهما اختلفنا في شخصياتنا وأصولنا وانتماءاتنا، فإن هناك ما يربطنا ويوحدنا في مثل هذه الأمور، فكوننا عرباً ومسلمين من وطن واحد، لابد أن لدينا عدداً من العادات والتقاليد والضوابط تجمعنا، وعلينا أن نلتزم بها ونحافظ عليها!

أقول نعم، لكن هل العادات والتقاليد في المجتمعات كلها ثابتة لا يطرأ عليها تغيير، أم متحركة تتغير بتغير الزمان وأهله، وتختلف باختلاف التركيبة السكانية، وتتكيف مع التبدل والتطور البشري العلمي والتقني؟ بمعني آخر هل عاداتنا اليوم كعادات أجدادنا؟ وهل تقاليدنا اليوم كتقاليدهم؟ وهل نفهم الدين كما فهموه؟... بالطبع لا !

هؤلاء الإخوة المتمسكون بالعادة والتقليد يطالبوننا بالجمود والثبات، وهو أمر مستحيل الحدوث، فتطور وسائل الاتصالات من فضائيات وإنترنت لابد أن يحدث التغيير شئنا ذلك أم أبينا، فتمازج الحضارات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، لابد أن يحدث أثره، وتجاهل هذا الأمر محاولة للوقوف في وجه طوفان!

ليس بالضرورة طبعاً، أن تجرف رياح التغيير كل ما يسمى بالعادات والتقاليد والضوابط، فربما صمد الكثير منها لمواكبتها العصر، وربما انتهى الكثير منها لأنه يستند إلى اللا منطق والخرافة، وعدم التقبل من جيل ولد، وهو يرى العالم قد تحول إلى قرية صغيرة، بفضل وسائل الاتصال التي قلصت الفوارق بين عادات وتقاليد الشعوب!

قلت في مقال سابق، إن أسوأ صفة هي صفة الأنانية، ولست أرى مثالاً للأنانية أقوى من أن يحاول أحد ما أن يفرض توجهاته الفكرية على الناس جميعهم من خلال ضوابط وضعها لنفسه حسب فهمه للدين، وعادات تناسبه ورثها عن أهله، وتقاليد يؤمن بها ويقدسها!

صدقوني لا يفعل هذا إلا إنسان يعاني النرجسية- حب الذات- فهو يؤمن بأنه الأفضل والأذكى، وأن أصوله هي الأكرم، وأن فهمه للدين هو الصحيح، وقد وضع لنفسه العادات والتقاليد والضوابط المثالية من وجهة نظره، ورأى أن على الجميع أن يتبعها ويسير على نهجها، من دون أي اعتراض أو نقاش... فـ «الثوابت» كما يفهمها غير قابلة للجدل أبداً!