الحسين عليه السلام ليس شيعياً!

نشر في 17-01-2008
آخر تحديث 17-01-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي  

يجب أن تصبح حادثة استشهاد الحسين بن علي وعموم السيرة العطرة له ولآل بيته، على الرسول وعليهم أفضل الصلاة والسلام، مدرسة علم وفخر ورفعة وبهجة للإسلام والمسلمين جميعهم، لا ذكرى حزن وانكسار.

 

«أيها الناس، إذا لم نخرج بالحسين أمام العالم فبمن نخرج؟ ما النموذج الذي نقدمه إذا لم نقدم أمثال هؤلاء الأبطال»... قائل هذه العبارة ليس رجلاً شيعياً، كما قد تظنون، بل قائلها شيخ سني من خريجي كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد، هو الشيخ حسن قاري الحسيني، وهو من أبدع من أنصفوا آل البيت عليهم السلام في زمننا الحاضر.

استذكرت هذه العبارة وعاشوراء على الأبواب، وأنا أشهد هذا الانصراف الواضح من العالم السني عن الالتفات لمآثر آل البيت، والابتعاد عن التفكر والوقوف عند واحدة من أعظم حوادث التاريخ الإسلامي، ألا وهي حادثة استشهاد الحسين بن علي عليه السلام، وكذلك وأنا أشاهد كيف تحولت هذه الحادثة المليئة بالعبر والدلالات الشرعية والأخلاقية والسياسية، إلى مجرد مؤسسة سنوية للحزن، على يد فئة شيعية تصل أحياناً بالمغالاة في إظهار هذا الحزن والتفجع حدوداً جعل من الأمر مشهداً عالميا تتداوله وكالات الأنباء العالمية بروحية الاستغراب والاستهجان، بل والتدليل على غرابة تصرفات المسلمين، (حتى اقترن في أبحاث علماء النفس والإجتماع والحضارة اسم الشيعة بالحزن، وأنها الطائفة المغموسة في الحزن، وليس الأمر كذلك)، كما قال الشيخ محمد مهدي شمس الدين في أحد مقالاته.

إن الحسين الذي قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)، وآل البيت جميعاً، ليسوا رمزاً خاصاً بالطائفة الشيعية، حتى ينصرف عنه السنة بهذا الشكل الواضح مهما حاولنا إنكاره، وهم كذلك ليسوا وكالة حصرية لإيران حتى يختفي ذكرهم بهذا الشكل الفاقع من المناهج الدراسية في دول العالم الإسلامي السني كلها. كما أن الحسين في المقابل ليس حادثة كربلاء فقط، بل هو سيرة حياة عظيمة حافلة يجب التوقف عند كل مفاصلها والنظر إليها والتعلم منها جميعاً وصولاً إلى الحدث الأعظم فيها ألا وهو ثورة هذا الإمام العظيم ضد ظلم وجور السلطان التي توجت بحادثة استشهاده.

إن النظر إلى حادثة استشهاد الحسين في كربلاء على أنها مجرد مظلومية أوقعها السلطان الجائر عليه وعلى آل البيت، هي نظرة هزيلة تمسخ المعنى الأعظم لحقيقة هذه الواقعة، فاستشهاد الحسين لم يكن حدثاً مفاجئاً له، فقد سار عليه السلام برباطة جأش وبعزيمة لم تتزحزح بالرغم من أنه كان يرى من تبعوه يتخلون عنه واحداً تلو الآخر، حتى دعا عليهم قائلاً (اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنـهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا)، واستمر هذا حتى غدا رجحان كفة النزال العسكري المباشر لمصلحة الطرف الآخر واضحاً بلا التباس، وصار يعلم أنه شهيد!

الحسين كان يحث السير إلى هذه المواجهة لأنه أراد أن يجسد موقفاً تاريخياً لكل أمة الإسلام على مر التاريخ والعصور يفيد بضرورة الوقوف في وجه الظلم والطغيان وإن تطلب الأمر بذل الدم في سبيل ذلك.

مخطئ من يظن أنه كان صراعاً لأجل السلطة، ففقه الحسين لا يقل عن فقه أخيه الحسن عليه السلام الذي تنازل عن السلطة والخلافة لمعاوية حين رأى أن ذلك هو القرار السياسي الأصوب لمصلحة الأمة في تلك المرحلة. الحسين وآل بيته خرجوا جميعاً يحملون مشروعاً للأمة الإسلامية بأسرها، ومشروعهم لم يفشل باستشهاد الحسين ورفاقه، بل ترسخ في ذاكرة التاريخ وفي القلوب المؤمنة بأبهى صور التضحية وتقديم أغلى الأثمان في سبيل حرية الإنسان.

إن ذكرى استشهاد الحسين التي أنشأتها السيدة زينب عليها السلام كما تقول بعض المصادر، لم تكن ذكرى حزن مجردة، ومأتم بكائي محض، بل كانت أداة مقاومة لنفس السلطان الجائر الذي قتل الحسين، والمعركة لم تنته بحادثة الاستشهاد، وما كان لها أن تنتهي، بل استمرت عبر آل البيت وأتباعهم. لذلك فإن التعامل مع هذه الحادثة العظيمة اليوم وصبها في هذا المصب الضيق من خلال جعلها ذكرى سنوية للحزن والتفجع اللا محدود، هو تحطيم لعظمتها وإفراغ لها من قيمتها الحقيقية الكبرى.

يجب أن تصبح هذه الحادثة وعموم السيرة العطرة للحسين بن علي وآل بيته، على الرسول وعليهم أفضل الصلاة والسلام، مدرسة علم وفخر ورفعة وبهجة للإسلام والمسلمين جميعهم، لا ذكرى حزن وانكسار.

هذه المدرسة الزاخرة وهذا النموذج البهي هو ما يجب أن نخرج به للعالم أجمع، لأنه أعظم من كل ما يقدمه لنا العالم من بطولات لأشخاص وشعوب من الشرق والغرب ناضلوا وقدموا أنفسهم في سبيل مواجهة الظلم والطغيان في بلدان.

 

back to top