Ad

هنالك حقائق لابد من الاعتراف بها ومواجهتها. فهنالك أيد خفية تسعى إلى إشعال نار الطائفية، وهذا لا شك فيه. وهنالك حكومة ظل تسعى إلى تشويه صورة مجلس الأمة والحكومة، وهذا أيضا واقع. ولكن الحل هو المواجهة ومحاربة العدو علانية ووضع الطاقة والمجهود الكافيين لكسب المعركة.

عبر القرون عانت الشيعة أشكال التمييز والظلم والتعتيم كافة من قبل الأغلبية السنية في معظم الدول العربية والإسلامية، لذا كان ومازال مثقفو وقياديو الشيعة من أكبر حملة راية حقوق الإنسان وحرية التعبير. فطالما نادى قياديو الشيعة بمجالات أوسع للتعبير عن آرائهم وممارسة شعائرهم والاحتفال بمناسباتهم تحت مظلة الدستور وحرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي، وهي جميعها حقوق مشروعة.

ولكن الذي يغيب عن بال الجميع - بمن فيهم القادة الإسلاميون على اختلاف طوائفهم - أن حرية التعبير سلاح ذو حدين. فمثلما تحصل فئة ما على حقوقها في الاعتقاد والدعوة والتعبير تحصل الفئة المقابلة على فرصة مشابهة أو أكبر (حسب امكاناتها وشعبيتها). ولا يمكن المطالبة بمنع أو تحديد حرية الآخر في التعبير عن رأيه متى ما اختلفت مع آرائنا أو معتقداتنا، ففي ذلك ننحى نحو المستبد والظالم الذي بدأنا معركتنا ضده.

إن الضجة المثارة على مسلسلات «الوطن» وMBC ليس لها أي سند منطقي أو قانوني أو دستوري. فالدافع الوحيد هو الخوف لا أكثر، والخوف - وإن كان يُسَّير رجل الشارع - لا يجب أن يكون الدافع لحركة المثقف والمؤمن والسياسي. فالعاطفة أياً كانت قد تتغلب على المنطق وتؤدي بنا الى قرارات تضرنا على المدى البعيد، إن لم يكن القريب جداً.

للكل حقه في التعبير عن رأيه بأي وسيلة كانت، وللمعترض أو الطرف الآخر الحق نفسه. ومحاربة الخطأ - إن وجد - تأتي بالحجة والمنطق وبالأسلوب الذي يناسب الجمهور المستهدف. أما المنع والقوة والحجب فهي وسيلة الضعيف الذي لا يملك ما يسند وجهة نظره أو يعجز عن إيجاد وسيلة مناسبة للتعبير عنها، وهو المحرك ذاته لأعمال الإرهاب باختلاف توجهاتها الفكرية.

مع ذلك هنالك حقائق لابد من الاعتراف بها ومواجهتها. فهنالك أيد خفية تسعى الى إشعال نار الطائفية، وهذا لا شك فيه. وهنالك حكومة ظل تسعى الى تشويه صورة مجلس الأمة والحكومة، وهذا أيضا واقع. ولكن الحل هو المواجهة ومحاربة العدو علانية ووضع الطاقة والمجهود الكافيين لكسب المعركة. أما دفن رؤوسنا في الأرض فلا يشكل حماية كافية ضد الوحوش التي تتربص بنا.

كما يجب الاعتراف بأنه لا يوجد جماعة كاملة، فالكمال لله. ففي كل فكر أو جماعة نقاط ضعف وعناصر أقل «نظافة» من غيرها. وهذا واقع أيضاً والاعتراف به هو أو مراحل الاصلاح. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن لأي طائفة إسلامية أن تنكر أن ما يعطى مسميات مختلفة (كزواج المتعة أو المسيار أو العرفي) يستغل سلباً ويشكل ظواهر اجتماعية مضرة. فالحكومة الإيرانية ملكت الشجاعة للاعتراف بهذه المشكلة والبحث عن حلول لها. أما في السعودية فالمسيار خلق وحشاً لا يمكن السيطرة عليه، مما جعل بعض شيوخ الدين يضع حدوداً للفتوى الأساسية. ومصر شاهد واضح على توابع ومخاطر الزواج العرفي فهنالك جيل كامل من الأطفال غير محددي الأب من الخليجيين الذين استغلوا الزواج العرفي دون تحمل مسؤولياته. فاذا كان «للخطايا ثمن» قد تعرض لهذه القضايا بشكل غير لائق، فمن الأفضل أن يبدأ أحد (أو شيء) الحوار بدلاً من التستر والتخفي من هذه المشاكل.

وهذا يسري على كل الظواهر الأخرى مثل الفساد السياسي والمخدرات والشذوذ الجنسي وغيرها. يجب أن يعترف مثقفونا وساستنا بأنها ظواهر وليست «سقطات أخلاقية» فردية. كما يتوجب على الحريصين على صورة المجتمع الكويتي خارجياً أن يعوا أن مسلسلاً رخيصاً لن يؤثر سلباً أو إيجاباً في «صورتنا»، بل أفعال وأقوال ممثلي الشعب هي التي تشكل صورتنا. عندما تتصرف الحكومة والمجلس بعاطفية وبشكل طفولي مع قضية مثل مسلسل على قناة فضائية لا نملكها، فلا مسلسل أو حتى مسرحية ستحافظ على صورتنا.

الأهم في رأييّ الشخصي، أن هذا النهج في التعامل مع حرية الرأي هو وصاية غير مستحقة على عامة الشعب. من أعطى النائب أو الوزير الفلاني الحق في تحديد ما يمكننا مشاهدته وما لا يجب علينا مشاهدته؟ متى أثبتنا كشعب عدم أهليتنا لمعرفة الحق أو لتقييم صحة أو دقة معلومة؟! وإن كنا قد أثبتنا ذلك فعلاً فعلينا ان نتساءل: أليس ذلك نتاج هذا النهج من الوصاية التي اختزلت عقولنا وحددت أفقنا؟

إننا نمر باختبار كبير لمدى إيماننا الفعلي بحرية الرأي، ومدى ثقتنا بعقلية ونضوج الشعب الكويتي، وحتى هذه اللحظة، الساقطون في هذا الاختبار أكثر من الناجحين.