Ad

دُور النشر في الغرب شريكة للمبدع في العمليّة الإبداعية، فهي تطالب الكاتب بتغيير عنوان الرواية أو إعادة كتابة فصل ما أو فصول للارتقاء بالمستوى الفني، ولكن لا نستطيع أنْ نزعم أنّ لدُور النشر في بلادنا كل هذه الجدية لاسيما الدُّور التي تلزم المبدع بتحمّل تكاليف الطبع وتكتفي بدور الموزع.

من حق المبدع الجيد أن يجد صدى لجهده وتقديراً لإبداعه، ومن حقّه أيضا أن يفوز بالجوائز من دون أن يريق ماء وجهه أو يلحّ على جهات الترشيح أو أعضاء اللجان المانحة، ومن دون أن يوسّط كل صاحب نفوذ أدبي أو نقدي أو إعلامي لكي يحصل على حقه المشروع، لكننا نعيش في واقع مرتبك ومتقلّب، السيادة فيه للصوت العالي وللنفوذ ولشبكة العلاقات وليست للجيد أو الجاد، لذلك تنفجر المعارك والصراعات وتنطلق الأسئلة والاتهامات كلّما أعلنت أسماء الفائزين أو المرشحين للجوائز، وهناك دائما مبررات للشك وسوء الظن في جهات الترشيح وفي اللجان المانحة، فغالباً ترشّح الجامعات أساتذتها والمنتسبين إليها من الكتّاب والمبدعين، وغالباً يرشّح اتحاد الكتاب المهيمنين عليه من أعضاء مجلس إدارته، والسلوك نفسه تمارسه جهات الترشيح الأخرى، فإذا أضفنا إلى ذلك أسلوب تشكيل اللجان المانحة سنعرف الإجابة عن معظم الأسئلة التي تُثار حول جوائزنا، وسنعرف أيضاً لماذا لا يحصل عليها بعض كبار المبدعين في الوقت المناسب، فقد منحت الدولة جائزتها التقديرية للشاعر الكبير صلاح عبدالصبور بعد وفاته، وليوسف إدريس وهو على فراش الموت، وكذلك للدكتور لويس عوض وغيرهم، وسنعرف لماذا يحجم بعض الموهوبين عن ترشيح أنفسهم لجائزتي التفوّق والتشجيعيّة، الأمر الذي دفعني قبل أكثر من عشرة أعوام عندما كنت عضواً في لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة إلى المطالبة بمنح الجائزة التشجيعية لشعراء لم يرشّحوا أنفسهم لإزاحة اليأس وسوء الظن، ولتشجيع الموهوبين ولإجبار أعضاء اللجنة وكلهم من الشعراء والنقاد على متابعة الحركة الشعرية وتجارب الشعراء الشبان، وأيضا لكيلا تحجب الجائزة بسبب ضعف المستوى رغم وجود مستحقين لم يُرشّحوا، وفي الشهر الماضي خَفّت حدّة المعارك والصراعات المثارة حول جائزة «البوكر» العربية بعد إغلاق باب الترشيح، وقد دارت هذه الصراعات بين الروائيين والناشرين، فقد أعطت شروط الجائزة الناشر وحده حقّ ترشيح ثلاثة أعمال روائية من إصداراته، وهذا الحق أغضب الكتّاب الذين لم ترشّح أعمالهم، ووضع الناشرين الذين أعلنوا أسماء الكتّاب والأعمال المرشّحة في دوائر الغضب والانتقاد، خصوصاً الدور التي ضمّت قوائمها روائيين عرباً كدار»الهلال» التي رشّحت الكاتب الأردني صبحي القمحاوي عن روايته «الحب في زمن العولمة» ودار «الدار» التي رشّحت الكاتب السعودي محمد تراوي عن روايته «ميمونه»، والمجلس الأعلى للثقافة الذي رشّح الكاتب البحريني أمين صالح عن روايته «رهائن الغيب» الصادرة عن سلسلة «آفاق» التي تنشر فقط للكتّاب العرب بغرض إتاحة أعمالهم الإبداعية للقارئ المصري بأسعار رمزية.

وقد رأى بعض الكتّاب المصريين في ترشيح هذه الجهات لزملائهم العرب جَوراً على حقوقهم وتقليلاً لفرص فوزهم بالجائزة، وأظنّنا لا نستطيع مساندتهم وسلب دُور النشر حقها المشروع في ترشيح من تراه جديراً بالجائزة، لكن المهم هنا أن نشير «بعد إغلاق باب الترشيح» إلى حقيقة غابت عن أذهان معظمنا بسبب الصراعات وتتعلق بدَور دُور النشر في الغرب، وهو دَور محوري يجعل من دُور النشر أحياناً شريكاً للمبدع في العمليّة الإبداعية عندما تقترح هذه الدُّور أو تطالب الكاتب بتغيير عنوان الرواية أو إعادة كتابة فصل ما أو فصول للارتقاء بالمستوى الفني، وأظننا نعرف أن هذه الدُّور تستعين بالخبراء والمستشارين وتختارهم من بين كبار النقاد والمبدعين القادرين على فحص الأعمال الإبداعية وتقييمها قبل نشرها، ولا نستطيع أن نزعم لدُور النشر في بلادنا كل هذه الجدية خاصة الدُّور التي تلزم المبدع بتحمّل تكاليف الطبع وتكتفي بدور الموزع، لذلك سيظلّ الخضوع لشروط جائزة «البوكر» ومنح دُور النشر وحدها حق اختيار المرشحين سبباً لانفجار الصراعات.

وفي النهاية علينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة الآتية: لماذا «البوكر» العربية؟ وهل سيكون هناك في المستقبل جائزة نوبل العربية؟ وهل سنستعير أسماء الجوائز الفرنسية أو الإيطالية أو الأميركية؟ ولماذا لا نسمي جوائزنا بأسماء المانحين أو بأسماء كبار كتّابنا ومبدعينا أو بأسماء مدننا وعواصمنا؟ فهل نكره أنفسنا إلى هذا الحد؟

* شاعر وكاتب مصري