إزاحة البرادعي والأجندة الأميركية الجديدة!

نشر في 12-11-2007
آخر تحديث 12-11-2007 | 00:00
 محمد صادق الحسيني

الحملة الشرسة على البرادعي، واتفاق التفويض المخادع لساركوزي بشأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وإطلاق سراح بعض الزوار الإيرانيين ودبلوماسيين اثنين من الدرجة الثانية لأجل فك الاشتباك مع طهران في العراق مؤقتاً، لحين انجلاء الأزمة التركية-الكردية التي أحيت محور أنقرة-طهران-دمشق القديم عن العراق، كلها إشارات مطلوبة بنظر واشنطن ومعها تل أبيب، لتجاوز محنة الفشل المحقق لمؤتمر أنابوليس الذي يلوح في الأفق!

رغم الحديث المتزايد في أجهزة الدعاية الصهيونية، وتلك التابعة أو المتأثرة بالمحافظين الأميركيين الجدد عن الخطر النووي الإيراني الداهم، وتنامي احتمالات الضربة لإيران! فإن المتتبعين بعمق وتأن لهذه الدعاية بدأوا يكتشفون مدى هشاشتها من جهة، وأهدافها الحقيقية من جهة أخرى.

فاتفاق الشفافية بين مدير الوكالة الذرية للطاقة النووية محمد البرادعي والمفاوض الإيراني يأخذ طريقه إلى إجلاء الحقيقة الكاملة وفضح أكذوبة «الهولوكوست» النووي الإيراني مع كل يوم نقترب فيه من نهاية العام، الأمر الذي بدأ يضع قادة الصهاينة، ومن ورائهم مروجو حتمية الضربة لإيران وضرورتها! في الزاوية الأكثر حرجاً حتى الآن.

من هنا كان لابد لهم من الانقلاب على المرجعية نفسها التي استندوا إليها أصلاً في نقل الملف النووي الإيراني من مجلس حكام وكالة الطاقة إلى مجلس الأمن الدولي... أي الانقلاب على قمة الإدارة في الوكالة الدولية التي كانت توفر لهم حتى وقت قريب الإطار شبه القانوني لدعايتهم التهويلية ضد إيران، على خلفية تقارير البرادعي الدورية التي ظلت تحمل التأويل والتأويل المضاد!

وهكذا انقلبت الموازين بين ليلة وضحاها وصار المطلوب والملح هما إزاحة البرادعي عن سدة هذه المنظمة الدولية بحجة أنه يوفر الغطاء «للمماطلة» الإيرانية من خلال اتفاق الشفافية الأخير، ومن خلال كلامه الصريح في الآونة الأخيرة بأنه لادليل على وجود نوايا تسلحية لدى إيران، وعليه لاخطر هناك من جانب طهران ضد الأمن والاستقرار الدوليين، وتالياً وأخيراً فإنه لاداعي لتجييش الجيوش والمشاعر ضدها، اضافة الى ارتكاب جريمة حرب جديدة بحجة واهية هي الخطر الإيراني!

هذا ما أعلنه شاؤول موفاز بصراحة قبل أيام ولحق به رئيس وزرائه الأخرق أولمرت، وفجأة انصبت اللعنة كلها على البرادعي المسكين فقط، لأن تقريره الجديد المتوقع في 15 نوفمبر الجاري قد لايحمل معه ما يسر الصهاينة أو يبقي باب التأويل مفتوحاً كثيراً أمام مروجي الهولوكوست النووي الإيراني! خصوصاً بعدما خرج غاضباً من آخر اجتماع لمجلس حكام الوكالة، بسبب الهجوم غير المبرر لبعض الوفود الأوروبية الموتورة والمحابية للصهاينة ومعهم المندوب الأميركي على إنجازه المعروف باتفاق الشفافية مع إيران! بنفس الحجة التي يهاجمه بسببها قادة الصهاينة اليوم.

وهنا ثمة من يعتقد أن الأميركيين من جنس المحافظين الجدد الذين يشعرون بقرب انتهاء عصرهم الأميركي الإمبراطوري الذي صنعوه على قواعد احتراف الكذب والخداع والتضليل، انطلاقاً من 11 سبتمبر وما بعد، وبعدما بدأوا يكتشفون وعي العالم الذي كشف حقيقتهم، وبعدما تأكد لهم أنه لم يعد بالإمكان تكرار سيناريو أفغانستان والعراق، فقد بقي لهم خيار أوحد وهو إبقاء الأوضاع متشنجة ومتوترة من حول الهولوكوست الإيراني المزعوم، والأجواء مشحونة ومحشّدة باتجاه الحرب المفترضة على إيران من دون خيار اللجوء الواقعي إليها، وذلك من أجل كسر شوكة الديموقراطيين من جهة وتجميد هزيمة بوش في العراق من جهة أخرى، وفتح آفاق بقاء الجمهوريين في أعلى سلم المنافسة الانتخابية الرئاسية من جهة ثالثة!

في إطار مثل هذه الاستراتيجية الجديدة لا مكان لتقارير البرادعي المتعددة التأويلات، ولا مكان لاتفاقات نهائية أو تسويات كبرى أو حتى رزم محفزات تجاهها من النوع الذي كان يقترحه الأوروبيون عليها سابقاً لأجل التوافق معها، بل المطلوب إبقاء الحشد الدعائي والإعلامي والاستخباري والدبلوماسي ضدها من دون الولوج في باب الحلول أياً كان نوعها!

وهكذا تصبح الإشارات التي ينبغي إرسالها إلى طهران لخفض حدة التوتر معها هنا أو هناك تحدده أجندة واشنطن اليومية تجاه مجمل ملفات المنطقة المفتوحة في إطار من الحرب الباردة بين واشنطن وطهران، وليس البرادعي أو من يشاركه الرأي من عقلاء أوروبا وأميركا، ممن يفكرون بضرورة تجنيب المنطقة حروباً عبثية جديدة.

الحملة الشرسة على البرادعي، واتفاق التفويض المخادع لساركوزي بشأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وإطلاق سراح بعض الزوار الإيرانيين ودبلوماسيين اثنين من الدرجة الثانية لأجل فك الاشتباك مع طهران في العراق مؤقتاً، لحين انجلاء الأزمة التركية-الكردية التي أحيت محور أنقرة-طهران-دمشق القديم عن العراق، كلها إشارات مطلوبة بنظر واشنطن ومعها تل أبيب لتجاوز محنة الفشل المحقق لمؤتمر أنابوليس الذي يلوح في الأفق!

الذي يحزّ في النفس هو غياب الرؤية التكتيكية العربية، اضافة الى الاستراتيجية من كل هذا، بل الأمرّ منه هو هذا التسليم غير المبرر للبعض بالقراءات الأميركية وكأنها آية منزلة والعياذ بالله! لاسيما من بعض الأقلام الحاقدة التي سبقت حتى الإسرائيلي في هجومها الشرس على البرادعي بنفس الحجة الإسرائيلية والأميركية التي تتفلسف بأنه رجل تقني محظور عليه الولوج إلى عالم السياسة، اضافة الى التقرير فيها عمن يمّثل الخطر الحقيقي على العالم، اللهمّ إلا أن يقبل أن يصبح شاهد زور على حروب أميركا وإسرائيل المضللة والخادعة!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني

back to top