قضية العلاج بالخارج في وزارة الصحة، هي المرض الأخطر الذي كان ولايزال ينخر جسد هذا المرفق المهم حتى تمكن من شل حركته وعرقلة الكثير من مشاريعه، ناهيك عن أي خطوات فعلية للتطوير والإصلاح لمستقبل أهم خدمة عامة في الدولة وهي الصحة. وحسب التجربة العملية والواقع الميداني، فإن حالة مرضية واحدة تكفي لاستنزاف جهد ووقت هيكل الوزارة بدءاً بالموظف الإداري البسيط وانتهاءً بقمة الهرم الوزاري، بما في ذلك السيدة الوزيرة ووكلاؤها المحترمون، فكيف يمكن أن نتصور الوضع في ظل الآلاف من الحالات على مدار الساعة يومياً؟! وتحولت المشكلة إلى دائرة مغلقة من الفوضى العارمة التي وضعت البلد كله في أزمة سياسية مستمرة.

Ad

ولا أبالغ إذا قلت إن حجم صراخ بعض النواب وحدة تصعيدهم الإعلامي ومؤشر تهديدهم السياسي يعكس ويوازي حجم الضغوطات النفسية الناجمة عن مطالبات وإلحاح ووعيد أهالي المرضى من ناخبيهم، خاصة الحالات المستعصية التي قد تكلف عند تأخر العلاج حياة المريض.

وما يزيد الضغط النفسي على النواب هو أن هناك دورة طويلة لابد من متابعتها بدءاً باستقبال الحالة، ومروراً بالاتصال بأعضاء اللجان الطبية المصغرة، ومن بعد ذلك توصية أعضاء اللجنة العليا، ومن ثم مقابلة مدير العلاج في الخارج، وأخيراً إقناع وكيل الوزارة والوزيرة، وما أن ينتهي من هذه الدورة حتى يواجه بطلبات جديدة تستوجب البدء من نقطة الصفر في مسلسل شبه يومي، ولذلك فإن أقصر الطرق هو إما الحصول على تأشيرة ذهبية من قيادات الصحة أو بتصريح يختزل فيه كل هذا العناء ويبرد من خلاله «كبد المريض وأهله»!!

وما قاد مشاكل العلاج في الخارج إلى هذه الدرجة من التعقيد، هو سياسة الحكومة في تقديم هذه الخدمة لبعض المرشحين خلال انتخابات الصيف الماضي حيث وصل عدد حالات الإيفاد إلى الخارج الى أكثر من 50 ألف مريض بمرافقين (أي 150 ألف مواطن) وبكلفة تقدر بنصف مليار دينار، وتركت وزارة الصحة في مهب الريح لمواجهة هذا الزخم من الطلبات الجديدة، بل الأخطر من ذلك خلطت أوراق من يستحق العلاج والمتمارضين حتى أصبح المعيار في بعض الأحيان هو درجة الواسطة والنفوذ أو مستوى التهديد والوعيد.

وللخروج من هذا النفق هناك ثلاثة حلول تتناسب مع الذوق الكويتي في ظل انعدام سياسة حكومية واضحة في مجلس الوزراء الذي سجل أرقاماً قياسية في ارتجالية القرارات وسرعة التراجع عنها؛

وأول هذه الحلول، تخصيص ميزانية سنوية بنصف مليار دينار للعلاج في الخارج أسوة بعام الانتخابات.

وثانيها، توفير خدمة التأمين الصحي الذهبي لجميع المواطنين، حيث يمكن للمؤمن عليه أن يتلقى العلاج في أي مكان في العالم، وتكلفة هذا النوع من التأمين السوبر يساوي نصف ميزانية المقترح الأول.

وثالثها وأخيرها، استيراد العلاج في الخارج من خلال جلب مستشفيات مقيمة بكامل طاقمها الطبي والتمريضي والفني والإداري وتطبيق فكرة العلاج في الخارج داخل الكويت، وتكلفة هذا المقترح أيضاً لا يتجاوز نصف ميزانية فكرة التأمين الذهبي.

ومن المحتمل جداً أن تشهد وزارة الصحة في ظل تطبيق أحد هذه البرامج بضع سنوات هدوءاً غير مسبوق تستطيع من خلاله وضع خطط شاملة واستراتيجية تمثل ثورة حقيقية لخدمة صحية متكاملة وفق إدارة حديثة يتفرغ لها أركان الوزارة والطاقم الطبي الكويتي.