ما بعد حرب البارد!
ما يدعو إلى الشكوك هو أن بعض الفصائل الفلسطينية التي ينطبق عليها مصطلح «بنادق للإيجار» والمرتبطة بالمعادلة الإقليمية المعروفة، قد تورطت في حرب «نهر البارد»، بصورة مباشرة، وهذا يعني أن تأخير حسم هذه المعركة ربما كان بسبب مراهنات واختراقات ستكشف عن حقيقتها الأيام المقبلة.
ما كان متوقعاً أن تستمر حرب الجيش اللبناني على عصابة «فتح – الإسلام» كل هذه الفترة، وكان المفترض وفقاً لتقديرات موازين القوى بين الطرفين أن يتم الحسم وأن تنتهي هذه المعركة في غضون أسبوعين على الأكثر، لكن هذا لم يحصل مما فتح الأبواب على مصاريعها لتكهنات وأقاويل كثيرة ذهب بعضها بعيداً في الخيال وتوصل الى استنتاجات ربما هي غير صحيحة، لكنها غير بعيدة عن الحالة اللبنانية الراهنة. لاشك في أن أداء الجيش اللبناني، على قلة إمكاناته وعلى كثرة العقبات التي وقفت في طريقه، أثار الإعجاب ويستحق الإشادة، لكن أن تستمر هذه الحرب كل هذه الفترة فإن هذا لا يمكن الاكتفاء، لناحية تبريره، بالقول إن حرب المناطق المكتظة بالسكان من أصعب الحروب وأن كون الهدف مخيماً فلسطينياً قد جعل المهمة أكثر صعوبة وجعل من غير الممكن اتباع استراتيجية الأرض المحروقة. إن حرب مخيم «نهر البارد»، التي طالت أكثر من المتوقع وأكثر من اللزوم، ليست هي الحرب الأولى في لبنان التي استهدفت مجموعة مسلحة تعتصم في مخيم فلسطيني وتحويله بسكانه إلى ما يشبه طائرة ركاب مختطفة، فهناك حرب مخيم «تل الزعتر» التي كانت أصعب من هذه الحرب لكنها ومع ذلك لم تستغرق أكثر من هذه الفترة التي لم تستغرقها أيٌّ من الحروب العربية – الإسرائيلية حتى بما فيها حرب أكتوبر العام 1973 الشهيرة. كان «تل الزعتر» أكثر تحصيناً وكانت كل القوى الفلسطينية الموجودة فيه متفقة على الدفاع عنه حتى الرّمق الأخير وكانت بطاريات مدفعية وصواريخ منظمة التحرير المتمركزة في بيروت الغربية تشكل حوله جداراً نارياً كلما حاول المهاجمون اقتحامه، لكن ومع ذلك فإنه سقط وانهار بأسرع من سقوط وانهيار مخيم «نهر البارد» . إذنْ، ما هي المشكلة الكامنة وراء كل هذا الزحف البطيء الذي يذكرنا بـ «زحف» الإمام البدر خلال الحرب اليمنية الأولى التي انتهت بانتصار الثورة التي قادها عبدالله السلال بدعم عسكري مصري استمر زهاء خمسة أعوام...؟!لا يمكن الجزم بهذه المسألة، لكن ما يدعو إلى الشكوك هو أن بعض الفصائل الفلسطينية التي ينطبق عليها مصطلح «بنادق للإيجار» والمرتبطة بالمعادلة الإقليمية المعروفة قد تورطت في هذه الحرب، أي حرب «نهر البارد»، بصورة مباشرة، وهذا يعني أن تأخير حسم هذه المعركة ربما كان بسبب مراهنات واختراقات ستكشف عن حقيقتها الأيام المقبلة والمثل يقول: «سيأتيك بالأنباء من لم تُزوِّدِ»!! في كل الأحوال، لقد انتهت حرب مخيم «نهر البارد»، أو هي أصبحت بحكم المنتهية... والسؤال هنا هو: ماذا بعد هذه الحرب... ؟!إن حرب ما بعد هذه الحرب، هي حرب انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، الذي من المفترض أن يحل محل الجنرال إميل لحود الذي أبقته المعادلة الإقليمية في قصر بعبدا ثلاثة أعوام إضافية، فهل يا ترى سيكون الرئيس الجديد هو الجنرال ميشيل سليمان... الذي يستحق هذا الموقع عن جدارة والذي لا يقل كفاءة عن الجنرال فؤاد شهاب الذي كان أول جنرال يصل إلى موقع رئيس لبنان وعلى أثر أزمة طاحنة كهذه الأزمة...؟! حتى وإن انتهت حرب مخيم «نهر البارد»، التي غدت بحكم المنتهية، فإنه غير متوقع أن تنتهي الأزمة اللبنانية الطاحنة، فالتعقيدات كثيرة وهناك أزمة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وأزمة سلاح المخيمات الفلسطينية وسلاح «حزب الله» وأزمة مزارع شبعا وأزمة قوات الـ«يونيفيل» في الجنوب وأزمة الحدود اللبنانية – السورية الملتهبة وأزمة المحكمة الدولية وأزمة الانتخابات النيابية... لقد انتهت حرب «نهر البارد»، لكن المؤكد أن هناك استحقاقات كثيرة تنتظر لبنان وأن هناك حروباً طاحنة متعددة على الطريق!كاتب وسياسي أردني