لا يمتلك القضاء أدواتٍ لردع تجاوز الحكومة أو المجلس على سلطاته، وذلك يحملهما واجباً لتعويض ذلك القصور عبر التحلي بالمسؤولية عند التعامل مع القضاء وأحكامه، وهو ما أخلت به الحكومة عند تحديها حكم القضاء بإصدارها مرسوماً بقانون لمنع التجمعات.كان الوزراء واضحين بأن محور استقالتهم هو تعدي مجلس الأمة على صلاحياتهم، إذ أكدوا ذلك ضمن خطاب استقالتهم وتصريحاتهم الصحافية، ثم توج ذلك وضوحاً المرسوم الأميري بحل المجلس عندما قال إن سبب الحل هو حماية الوحدة الوطنية من «مظاهر الانحراف والتجاوزات التي حدثت على الحدود الدستورية المستقرة والواجبة الاتباع بين السلطات العامة في الدولة». إذن ماذا يعني أن تأتي الحكومة وتصدر مرسوماً بقانون لمنع التجمعات يخالف النصوص والمبادئ الدستورية ويناقض الأسباب التي ساقتها الحكومة لاستقالة أعضائها وحل المجلس؟
لم يكن دفاعاً عن القضاء انتقادنا تجاوز رئيس المجلس السابق جاسم الخرافي حدوده الدستورية وتدخله في سير القضاء عندما توسط للنائب السابق خضير العنزي المتهم آنذاك بالإساءة إلى القضاء، ولم يكن دفاعاً عن الحكومة انتقادنا لتعدي النواب على سلطات الوزراء، وليس دفاعاً عن القضاء أو المجلس انتقادنا لاستصدار الحكومة مرسوماً بقانون يستغل غياب المجلس ويتحدى حكم القضاء، بل هو إيماننا الأعمق بأن مبدأ فصل السلطات هو أساس قيام الدولة لا يحتمل الإخلال به، فالواجب الوطني يحتّم الانتصار لأي سلطة يُطغَى عليها من قبل أخرى لضمان سلامة ذلك المبدأ الأساسي.
الأمر يصبح أكثر أهمية عندما يتعلق بالتعدي على القضاء، ذلك لأن القضاء الدستوري في الكويت لا يتمتع بسلطة المبادرة كما يتمتع به القضاء الأميركي مثلاً، بمعنى أن القضاء عندنا لا يمتلك النظر بعدم دستورية القوانين من تلقاء نفسه، بل ينتظر أن ترفع المنازعات إليه من قبل الحكومة أو المجلس، مما يغلل يديه بعض الشيء. إضافة إلى ذلك فإن الحكومة تمتلك القدرة على حل المجلس لردع تجاوزه على سلطاتها، والمجلس يمتلك الاستجواب وعدم التعاون وإسقاط قوانين الضرورة لردع تجاوز الحكومة على سلطاته، بينما لا يمتلك القضاء أدواتٍ لردع تجاوز الحكومة أو المجلس على سلطاته، وذلك يحملهما واجباً لتعويض ذلك القصور عبر التحلي بالمسؤولية عند التعامل مع القضاء وأحكامه، وهو ما أخلت به الحكومة عند تحديها حكم القضاء بإصدارها مرسوماً بقانون لمنع التجمعات.
إن نزاهة القضاء وعدالته وهيبة أحكامه ضمان للحقوق والحريات وصمام أمان للمجتمع، ومتى ما كانت هناك سلطة لغيره لنقض أحكامه فيعد ذلك تهديداً لأمن الدولة والمجتمع، نقول ذلك بينما لاتزال الفرصة سانحة للحكومة للتراجع عن فعلتها التي ستدفع ثمنها الدولة إلى الأبد.
Dessert
حان الوقت لتعديل قانون المحكمة الدستورية بما يسمح لنا كمواطنين للجوء إليها لردع طغيان الحكومة والمجلس بقوانينهما ولوائحهما وضوابطهما علينا، عندها لن يحتاج رجل الموضوعية وحسن النية د. غانم النجار إلى التعويل على رئيس الحكومة لإحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية.