شدد الشيخ د.حمد بن إبراهيم العثمان على أن مراجعات فقيه جماعة الجهاد وتنظيم القاعدة الشيخ فضل التي تنشرها «الجريدة» حالياً مثلت ضربة قوية لتنظيم «القاعدة»، غير أنه اعتبرها ليست الضربة القاضية، مؤكدا أن الضربة الأهم والأكثر تأثيراً تمثلت في فقدان بن لادن بصفة خاصة والتنظيم بصفة عامة، للمصداقية في عيون الشباب الذين انخدعوا في بداية الأمر بما زرعته «القاعدة» في عقولهم من أفكار متشددة، تدعو إلى قتل الغير من دون وجه حق.

Ad

وسعى الشيخ العثمان في حواره مع «الجريدة» إلى إبراز كم التناقضات والمآخذ في مسيرة «القاعدة» وزعيمها، مؤكداً أن ماقام به بن لادن جعل من العرب والمسلمين أضحوكة وسُبة. واستبعد الشيخ حمد العثمان أن يكون الدكتور فضل قد تعرض لضغوط أمنية قادته إلى المراجعات الأخيرة، مبيناً أن صدقية المراجعات تظهر في قوتها العلمية، وما شملته من أدلة شرعية مستقاة من الكتاب والسنة.

السؤال الأول: أحدثت مراجعات فقيه جماعة الجهاد وتنظيم «القاعدة» دويا كبيرا في أوساط النخب والجماعات الإسلامية في أنحاء العالمين العربي والإسلامي... فهل تعتقدون أن مراجعات د. فضل بمنزلة ضربة قاضية لتنظيم «القاعدة»؟

• مراجعات الدكتور فضل سيكون لها تأثير قوي بلا شك على الشباب الذين تأثروا بكتاباته، لكنني لا أعتقد أنها أقوى ضربة لتنظيم «القاعدة»، فهي قد تكون من أقوى الضربات لجماعة «القاعدة»، لكنها ليست الأقوى.

السؤال الثاني: إذن... ما هي أقوى ضربة تعرضت لها «القاعدة» من وجهة نظركم؟

• الأقوى في اعتقادي هو اهتزاز مصداقية بن لادن نفسه، فالكل يستذكر أنه بعد وقوع أحداث سبتمبر أقسم بن لادن يمينا مغلظا، أنه لم يقم باعتداءات سبتمبر، ولما سقطت أفغانستان، أخذ يفاخر باعتداءات سبتمبر مع ما وقع فيها من غدر وقصد قتل من لا يجوز قتله من المدنيين والنساء والصبيان ومئات المسلمين. والكل يستذكر ما بثته قناة «الجزيرة» أخيراً من تسجيل لوليد الشهري قبل اعتداءات سبتمبر التي يفاخر بها بن لادن الآن.

وكذلك اهتزت مصداقية بن لادن حين قال إثر سقوط أفغانستان: «الملحمة لم تبدأ بعد، والآن مضت سنوات طويلة مكّن فيها ابن لادن أميركا من ديار المسلمين، ولاندري متى تبدأ ملحمة بن لادن الحقيقية.

بن لادن جعلنا أضحوكة وسُبة للغرب، بدأ وسارع إلى التحرش بالغرب ومقاتلتهم، وهو ليس من أهل الحل والعقد، ولا من علماء المسلمين، وحالنا من الضعف معلوم، ثم بعدما نزلت الكوارث بالأمة الإسلامية طلب مهادنة «أوروبا»، ولم يعره أحد من الأوروبيين أي اهتمام! فلماذا تقاتلهم ثم تطلب مهادنتهم؟!

فأفغانستان تحررت من الاحتلال الروسي تماماً بعد عقدين من الزمن، أُزهقت فيها مئات الآلاف من الأنفس وتعطلت التنمية، وعمّت الأمية، وفشا الجهل، فكانت أحوج ما تكون إلى من ينهض بها، ويلملم جراحاتها، وينهض باقتصادها، ويقيم البنى التحتية ونشر العلم والسنة والتوحيد، لأن البلد كان، ولايزال، غارقا في الجهل والبدع والخرافات وما يضاد التوحيد، وإلى أن يلتقط الناس أنفاسهم بعد عشرين عاماً من الحرب والاحتلال وينعموا بالحرية، ولكن أسامة بن لادن أبى إلا أن يجلب لهم احتلالاً جديداً عجز عن رفعه إلى الآن.

نعم انبهرنا من حوادث سبتمبر لما وقعت، وأخذت كثيرا منا في البداية نشوةُ التشفي، ثم ذهبت عنا سكرة هذه النشوة وعاطفة النصر الموهوم التي استمرت ثواني معدودة في اعتداء غادر غير شريف، دفعت أمتنا الإسلامية ثمنه أضعافا مضاعفة، ولا أحد يعلم سوى الله متى تلتئم جراحات المسلمين منه؟! فتبعات الأذى الذي لحق ديار المسلمين من تهورات سبتمبر أثقال عظيمة تنوء عنها الجبال يتحملها بن لادن والظواهري، فلا إله إلا الله ما أعظم جرأتهما؟!

وبهذا تبين لنا جميعاً حكمة الشارع في إناطة الفتيا في مسائل الجهاد بخواص العلماء.

السؤال الثالث: يرى كثيرون أن مراجعات الدكتور فضل تمثل تحولا في فكر الجماعات الإسلامية التي تتبنى العنف منهجاً وستسهم في تغليبها لغة العقل والحوار بدلاً من إراقة الدماء... فما رأيكم في ذلك ولاسيما بالنسبة الى بعض الجماعات الأكثر تشدداً التي تتبنى فكر الخوارج؟

• لا شك أن مراجعات د.فضل ستساهم في ترشيد الدعوة لدى بعض منتسبي «القاعدة»، لكن لا أعتقد، والعلم عند الله، أن فكر الخوارج سيتلاشى لعدة أسباب:

-1 الجهل: فالبدع عموماً، وبدع التكفير خصوصا، تنتشر مع ضعف العلم الشرعي، والتكفيريون يقتنصون حدثاء العهد بالتدين الذين لم يُحصّنوا بالعلم الشرعي بعد، ولم يستصحبوا الخبرة، فيسقونهم شراب التكفير في آنية الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعزاز الإسلام.

-2 النوازل السياسية: حيث يوجد من يحسن توظيفها في تغذية الفكر التكفيري.

-3 أسباب نفسية: إذ إن بعض الشباب تستهويهم الأعمال العسكرية من القتل والتفجير؛ لأنها بطولات في نظر الشباب الصغار السن الذين تحكمهم عواطفهم وحماساتهم التي تغلق عليهم تصور عظم الحرمات التي يرتكبونها وتغيب عنهم تلمُح العواقب والمآلات.

-4 كتابات جماعة الجهاد، وإن حصل فيها مراجعات صريحة، لكننا يجب ألا ننسى أن كتابات جماعة الجهاد فرع من الأصل، وهي كتب سيد قطب رحمه الله، وهي ما زالت لها حرمتها وقداستها وتتبناها إحدى أكبر جماعات الإسلام السياسي وتجعلها في مرتبة فوق النقد، وتبرئها من فكر التكفير وجهاد المجتمعات، إلا من آحاد مشايخ الجماعة الذين أقروا بأنها تنضح بالتكفير، كالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.

-5 قضاء الله الكوني: ببقاء فكر الخوارج وظهور حملته من فترة لأخرى حتى قيام الساعة. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ينشأ نشئ يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قُطع»... قال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «كلما خرج قرن قطع» ... أكثر من عشرين مرة، «حتى يخرج في عراضهم الدجال». رواه بن ماجه وصححه العلامة الألباني، رحمه الله، وأصله في الصحيحين.

السؤال الرابع: يشكك بعضهم في مدى صدقية مراجعات الدكتور فضل بدعوى أنه صاغها بينما كان رهيناً بالسجون المصرية، وهو ما يحمل في طياته احتمالات تعرضه لضغوط أمنية وإكراه من جانب السلطات المصرية... فما رأيكم في ذلك؟

• لا أعتقد أن مراجعات د. فضل جاءت عن إكراه، فمصداقية المراجعات تظهر في قوتها العلمية، فطلبة العلم ينظرون في الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ودلالاتها واستلزامها للمدلول. وأنا شخصياً وجدت كلام د.فضل في شروط الجهاد وأحكام أهل الذمة والخروج على الحاكم صحيحاً.

ومما يرجح مصداقية هذه المراجعات هو أنها ليست وليدة اليوم، فمراجعات د.فضل سبقتها مراجعات كثيرة منذ سنوات لقيادة الجماعة كعبود الزمر وأتباعه، لدرجة أنهم أبدوا استعدادهم من قبل لدفع ديات لمن سفكوا دماءهم... والله أعلم.