تعود الفتوحات الاسلامية في بلاد اسيا الوسطى في القرن الاول الهجري للقائد قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولد بأرض العراق سنة 48 هجرية، وكان أبوه مسلم بن عمرو من أصحاب مصعب بن الزبير والي العراق، وقد نشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح، محباً للفروسية، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات، لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالغزوات لاستغلال طاقاتهم الثورية في خدمة ونشر الدعوة، لذلك كانت أرض العراق هي قاعدة الانطلاق للحملات الحربية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية، وقد اشترك قتيبة في هذه الحملات منذ شبابه المبكر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة، لفتت إليه فأوصى البعض به لوالي العراق الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي، وبدأت رحلة هذا القائد الفذ منذ 86 هجرية، وذلك عندما ولاه الحجاج ولاية خراسان وهو إقليم شاسع مترامي الأطراف، لم يكن المسلمون واصلوا الفتح بعده،

Ad

سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب والي خراسان السابق وهي خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين، ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة، ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه، غير عابئ بالمصاعب أو الأهوال التي ستواجهه، معتمداً على بسالته النادرة وروح القيادة التي امتاز بها وإيمانه العميق بالإسلام.

قام قتيبة بن مسلم بتقسيم أعماله لأربع مراحل، حقق في كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحاً نهائياً ثبت فيه أقدام المسلمين للأبد، ففي المرحلة الاولى قام فيها قتيبة بحملته على طخارستان السفلى فاستعادها وثبت أقدام المسلمين، وذلك سنة 86 هجرية، وطخارستان السفلى هي الآن جزء من افغانستان وباكستان، اما المرحلة الثانية فقاد فيها حملته الكبرى على بخارى، بينما بين سنتي 87–90 هجرية وخلالها أتم فتح بخارى، وما حولها من القرى والحصون، وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكانا وأمنعها حصوناً وفي المرحلة الثالثة التي استمرت من سنة 91 - 93 هجرية، فقد تمكن قتيبة من نشر الاسلام وتثبيته في وادي نهر جيحون كله، وأتم فتح إقليم سجستان في ايران الآن، وإقليم خوارزم وهو يوجد الآن بين دولة ايران وباكستان وافغانستان ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند في قلب اسيا وضمها إلى دولة الاسلام نهائياً. اما المرحلة الرابعة فقد امتدت من سنة 94-96 هجرية، وفيها أتم قتيبة فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها ووصل مدينة كاشغر وجعلها قاعدة إسلامية، وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام في آسيا شرقا، ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك وتوفي سنة 96 هـ 715م.