Ad

الطامة الكبرى هي لماذا تعيّشنا الحكومة بهذا المستوى من التردي وتعطيل مشاريع التنمية وتقهقر مستوى الخدمات العامة في جميع القطاعات والبطالة إذا كان لدينا رصيد بنكي في باطن الأرض قيمته السوقية اليوم تساوي 6000000000000000 دولار!! وفق تقديرات استندت إلى تصريحات وزير النفط بالوكالة.

فور انتهاء الجلسة السرية المخصصة لمناقشة الاحتياطيات النفطية بادر وزير النفط بالوكالة بالتصريح لوسائل الإعلام بأن المخزون النفطي الكويتي مطمئن ويربو على مئة مليار برميل، فإذا كانت مثل هذه المعلومة الاستراتيجية من أخطر أسرار الدولة فلماذا طلبت الحكومة عقد جلسة سرية للكشف عنها، خصوصاً أن ما كشفه السيد الوزير هو ذاته الموثق في سجلات المراجع النفطية والاستخباراتية العالمية، ومنها منظمة (أوبك) ووكالة الطاقة الدولية والاستخبارات الأميركية وحتى الشركات العملاقة ومنشورة في الكثير من المواقع الإلكترونية؟

على كل الأحوال، لم يكن التصريح النفطي بتسريب هذا السر الوطني هو المشكلة، ولكنه كشف المستور عن بعض الاختلالات والفضائح المفصلية في مرفق يعد شريان الحياة لهذا البلد، وأول هذه الاختلالات يكمن في التناقض المخيف بين ما أعلنته شركة «نفط الكويت» عام 2001 بناءً على تقارير ميدانية وبموجب حسابات معيارية تستند إلى حجم الإنتاج والاحتياطي المؤكد لكل حقل على حدة، بل في ظل ظروف طبيعية بعيدة عن أي ضجيج إعلامي، والملفت أن هامش الخطأ بين تقديرات شركة «نفط الكويت» و«مؤسسة البترول» يفوق الـ 750%!! وهذا التناقض بحد ذاته ينم بخطورة عن طبيعة اتخاذ القرار ومرجعية المعلومة في بلد يفترض أنه يقوم على أسس معيارية ومؤسسية، فما بالك إذا كانت هذه المعلومة تخص النفط.

فالاحتياطيات النفطية وطريقة احتسابها وتقديراتها ليست محل اجتهادات وتحليلات شخصية خصوصاً في الدولة صاحبة الشأن نفسها، بل إنها من أسرار الدولة الكبرى التي يفترض أن يتم التعامل معها بروح مسؤولة، فالفرق بين أن يكون احتياطي النفط 100 مليار برميل أو 24 مليارا يجب أن يتغير معه مسار الدولة ونهجها وخططها المستقبلية وسياساتها العامة ومصير شعب كامل، بل ينبغي أن يحدد هوية الأجيال القادمة للشعب وثقافته وسلوكه ونمط تفكيره، وهذه الأرقام ليست لعبة أو مزحة في عصر تفجر بدائل النفط والطاقة من جهة والاندفاع العالمي الى مزيد من الاستثمار في المشاريع النفطية من جهة أخرى.

وبالتأكيد فإننا كمواطنين يجب أن نتفاءل ونتمنى أن تكون معلومة الوزير هي الأقرب الى الواقع، وهذا بالتأكيد يبعث على السعادة والاطمئنان، ولكن هنا تكمن أيضاً الكارثة الكبرى، فالإعلان عن بشارة هذا المخزون الضخم قد يعيدنا إلى المربع الأول في كل شيء، وأولى دلالات ذلك جرعة التخدير الجديدة وبعيدة المدى التي من شأنها إعادة حتى خطاب التقشف التي رفعتها الحكومة وتأجيل أفكار وطموحات تنويع مصادر الدخل إلى الأرشيف، وهذا الإعلان دعوة صريحة لمواصلة النوم في العسل لمجتمع جُبل على التقاعس وتردي الإنتاجية تحت شعار «الله لا يغير علينا».

وأيضاً هذا الإعلان هو بمنزلة إحياء ما تسميه وتقاومه الحكومة بالاقتراحات والمطالبات الشعبوية من زيادة الرواتب وإلغاء القروض ودعم الكهرباء والعلاج بالخارج والتوظيف الوهمي، ويبدد الفرص الضئيلة أصلاً للترويج الحكومي لمشروع حقول الشمال المثير للجدل والذي تعتريه الشبهات ويعزز رصيد الرافضين له.

أما الطامة الكبرى فهي لماذا تعيشنا الحكومة بهذا المستوى من التردي وتعطيل مشاريع التنمية وتقهقر مستوى الخدمات العامة في جميع القطاعات والبطالة إذا كان لدينا رصيد بنكي في باطن الأرض قيمته السوقية اليوم تساوي 6000000000000000 دولار!