Ad

نحن على أبواب مرحلة جلاء المحتل البريطاني والأميركي من العراق الحبيب، وهي المرحلة التي يجب فيها أن يدفع هذا المحتل فاتورة نهبه لثروات العراق وقتله عشرات الألوف وتعذيبه وتشريده إياهم بمئات الآلاف وتدمير بلادهم بحجج ثبت أنها واهية ومخادعة وزائفة ومضللة.

من يتأمل الإعلام العربي عموماً، وهو يتناول «ورطة» الأميركيين والبريطانيين في العراق والسبل التي يبحثون عنها «للخروج المشرف» مما بات يعرف اصطلاحاً بـ«المستنقع» العراقي! لاسيما إذا كان «محايداً» أو غير متعمق أوغير مطلع على حقيقة ما جرى من خداع وتضليل للرأي العام الإقليمي والدولي حول أسباب غزو العراق واستباحته قبل أربع سنوات، يكاد يخرج بانطباع متعاطف ومتضامن مع هذه القوات «المسكينة والمبتلاة» بامتحان العراق! وقد ينزل إلى الشارع على الفور بعد سماع بعض نشرات الفضائيات أو وسائل الإعلام المسموعة الأخرى ليجمع التبرعات لهذه القوات المسكينة التي «تورطت» في أمر العراق «غصباً عنها»!

فالبريطاني المحتل والغازي والمعذب والزاني والمغتصب والقاتل والناهب للثروات، يخرج علينا هذه الأيام في بعض وسائل الإعلام العربية في هندام جميل وراق ويتكلم العربية بلهجة «مليحة» أحياناً، وهو يتعجب من هؤلاء العراقيين «المتخلفين» الذين ربما لم يكونوا «يستأهلون»، برأيه، كل ذلك العناء الذي بذله البريطاني ومعه سائر قوى «التحالف»ممن تسمى «بالقوات المتعددة الجنسيات» من أجل العراق لاسيما الأميركي المحرر! ويستغرب أكثر عندما يناقشه أو يجادله بعضهم من أهل الغيرة على الأوطان «بتقصيره» في تدريب وتدعيم ونقل السلطة كاملة إلى قوات الشرطة المحليين!

هذا فيما يتم إظهار العراقي المقاوم خصوصا - وهنا نقصد المقاومين الحقيقيين بالسلاح والكلمة وليس القتلة والإرهابيين الذين يعتدون على الناس وهم من دعائم الاحتلال أصلاً- بمنزلة الإنسان المتخلف الذي يتكلم لغة خشبية ومحنطة، كما يقولون، ويتصرف بوحشية مع قوات التحالف التي جاءت لإنقاذه! وأنه لايزال يعيش زمن عبدالناصر الذي أكل الدهر عليه وشرب! أو أنه من الجماعات السلفية والمتعصبة التي تريد العودة بالأمة إلى الوراء وعصر التخلف! ولم يبق إلا أن يتهموا الشعب العراقي ويحملوه مسؤولية ما يحدث للجنود البريطانيين والأميركيين من موجات انتحار واكتئاب وأمراض نفسية بسبب الحرب التي أعلنوها ضده و«أحبروه» للقدوم الى «مستنقع العراق العفن» بعد أن كان غارقاً في نعيم العالم الحر والمتمدن!

أعرف أن في بعض ما قلته بعض المبالغة! لكن صدقوني، إن ما يقال ويسمع في بعض وسائل إعلامنا حول المقاومة بشكل عام وليس في العراق وحده - أي حق مقاومة المشاريع الأجنبية عموماً- يخجل ويكاد يجعل الإنسان العربي والمسلم عموماً يخرج من طوره ويلجأ إلى أي وسيلة كانت للتعبير عن حنقه وغضبه ورفضه، بل «كفره» بكل قيم التسامح والاعتدال و ما شابه من مقولات بدأت تأخذ منحى خطيراً في التداول اليومي في حين يكفر من يخرج منتفضا لقومه او لدينه بالحق!

تقول معلمة سورية، مثلاً، إن إحدى طالباتها جاءت يوماً إليها وهي تشرح لها معاناة أحد الجنود الأميركيين في العراق كانت قد قطعت رجلاه حسب الفيلم الذي رأته في إحدى الفضائيات العربية بشكل رواية مأساوية تجلب التعاطف مع هذا الجندي! الأمر الذي يثير الحيرة فعلاً، وكأن العراقيين هم المعتدون على هذا الجندي الغازي والقاتل!

وهذه الرواية بالمناسبة تذكرني ببعض القصص التربوية التي تقدم للأطفال في أميركا حول غزو الأنغلوساكسون إلى بلاد «الهنود الحمر» حيث يظهر فيها الغازي، وهو يلبس لباس الطوارق، وهم القبائل العربية المعروفة في سكناها في شمال أفريقيا، ليحملونا نحن العرب حروب الإبادة التي حصلت لأمم أميركا اللاتينية على يد الرجل الأبيض المتوحش!

أقول هذا الكلام ونحن على أبواب مرحلة جلاء المحتل البريطاني والأميركي من العراق الحبيب، وهي المرحلة التي يجب فيها أن يدفع هذا المحتل فاتورة نهبه ثروات العراق وقتله عشرات الألوف وتعذيبه وتشريده إياهم بمئات الآلاف وتدمير بلادهم بحجج ثبت أنها واهية ومخادعة وزائفة ومضللة، وبالتالي فإن المطلوب هو إجراء المحاكمات العلنية لقادته كمجرمي حرب ومرتكبي إبادة ضد الإنسانية، وهو ما يطالب به أشرافهم وأحرارهم بالمناسبة، لا أن يكرموا ويتم «تطهيرهم»، كما يحصل في بعض وسائل إعلامنا وتعقد الندوة تلو الأخرى حول ما يسمى بـ«الخروج المشرف»! ولماذا المشرف مادام قد انتهك أعراضنا وخدش شرف أبنائنا وبناتنا... ونحن ننتمي إلى أشرف الأمم كما يفترض؟!

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني