ورطة أخرى في تايلاند
ارتكب الجيش التايلاندي خطأ فادحا في سبتمبر الماضي، حين قام بانقلاب دراماتيكي لإطاحة حكومة منتخبة ديموقراطية برئاسة ثاسكين شيناواترا. وعلى مدار الأشهر التسعة الماضية، ثبت مجددا أن الحكم العسكري أخفق في مهامه. وهو ما فاقم في الوقت الراهن من أخطائه الأصلية.فقد أخطأ الجنرالات حين اعتقدوا أن التوتر السياسي الذي تسبب فيه السيد ثاسكين شيناواترا، رئيس الحكومة المكروه من جانب النخبة الحضرية والمعشوق من غالبية السكان العوام في تايلاند، ستنتهي أحداثه بمجرد نفيه إلى خارج البلاد. ولايزال شيناواترا يحظى بتأييد الملايين ممن يدعمونه، حتى بعدما استقرت به الحال اخيرا في لندن، التي أثار فيها جولة جديدة من الإثارة بعرضه شراء نادي كرة قدم شهير. وبرهنت حال انعدام الاستقرار وعدم اليقين وتعيين الجيش لحكومة مؤقتة في البلاد أنها مكلفة للغاية؛ فالاستثمارات التي تضخ داخل شرايين الاقتصاد تراجعت، فيما قويت شوكة المسلحين المسلمين في جنوب البلاد، وصارت عملياتهم أكثر سوءا.
وكان الجيش وعد بانتخابات ديموقراطية بحلول نهاية العام الجاري، في أعقاب استفتاء أجري على إحلال دستور جديد للبلاد. لكن حزب السيد ثاسكين «راك تاي»، ينتظر له ربما أن يحقق الفوز في تلك الانتخابات، وهو الأمر الذي يثير جملة الحسابات الخاطئة؛ فالمحكمة العسكرية التي شكلها الجيش قررت تجريم نشاط الحزب وحظر العمل السياسي لما يربو على 100 من قادته لمدة خمس سنوات. أما الحزب الديموقراطي المنافس، الذي مهد التربة أمام حدوث الانقلاب العسكري من خلال إثارة القلاقل في بانكوك بتظاهرات شوارع واسعة النطاق، فقد جرى استثناؤه من تلك العقوبات.ولحسن حظ الجنرالات فإن قرارات المحكمة العسكرية لم تتسبب في توترات فورية، لكن مؤيدي السيد ثاسكين مازالوا حاضرين على الساحة. فبعضهم سعى حفاظا على شرعية الحزب الأصلي إلى تشكيل حزب جديد تحت مسمى آخر. بينما سيميل آخرون إلى التعبير عن سخطهم وغضبهم من الحكم العسكري من خلال التصويت ضد الدستور، الذي صيغ بواسطة مؤسسة غير منتخبة. وربما يكون هناك منطق مقبول لكي يقدموا على ذلك، فمسودة الدستور الجديد تتضمن عددا من القوانين واللوائح غير الديموقراطية من بينها تعيين أعضاء في مجلس الشيوخ لم يتم انتخابهم عبر انتخابات عامة. وحال إقامة الانتخابات والانتهاء منها، لن يكون أمام الجيش في تايلاند من سبيل سوى التأكيد على انتصار جديد للسيد ثاسكين في حال خرجت عملية التصويت على نحو حر وعادل. وإذا فاز حزب آخر وحل في السلطة من خلال التلاعب في نتائج الانتخابات، فإن انتقاصه الشرعية سيقود حتما إلى فقدان الثقة في الاقتصاد التايلاندي، والقدرة على مواجهة المسلحين في الجنوب. فالسبيل الوحيد كي تتخلص تايلاند من نفوذ السيد ثاسكين هو أن تترك سياساته تعرف طريقها الى الفشل، ومن ثم سيلفظه الناخبون في أي انتخابات. وأمام ذلك، فإن تدخل الجيش قاد البلاد إلى درب «مظلم»، والخروج منه ليس سهل المنال.خاص بـ الجريدة واشنطن بوست