نقول لأصحاب القرار كفى بالونات اختبار ضد الديموقراطية ولعل الرسالة الشعبية خير دليل على ذلك، فالرفض القاطع لقانون التجمعات وفي هذا الوقت تحديداً حيث السخط الكبير على مجلس 2006 لم يمنع القوى السياسية ومن خلفها الرأي العام الكويتي من الإفصاح بقوة عن موقفهم ضد تجزئة الديموقراطية.يبدو أن الصراع بين الديموقراطية وأعدائها في الكويت أزلي ولا تبدو مؤشرات استلام خصوم الحريات للواقع الحضاري قريبة، فمنذ العمل بالدستور في عام 1963 لاتزال عمليات التحرش ضد الديموقراطية قائمة بأشكال وصور متعددة وتصل في بعض الأحيان إلى حد تكون مكشوفة ويشم منها رائحة التحدي والمكابرة.
ومرسوم التجمعات يعتبر إحدى مصداقيات هذا التحدي ليس في أصل فلسفة الفكرة التي تتعارض مع مبدأ الحريات، وليس لعدم دستوريتها بحكم المحكمة الدستورية فحسب، إنما بتوقيت إصداره من قبل الحكومة منفردة وفي غياب السلطة التشريعية، وإذا أخذنا الموضوع بحسن النية السياسية فأقل ما يمكن قوله إن قرارا من هذا النوع وفي مثل هذا التوقيت لا يمت إلى الحكمة السياسية بصلة، بل لعله أفسد حلاوة الجو الشعبي الذي خلقه قبل أيام فقط من إصرار الحكومة على تطبيق القانون على الجميع في قضية إزالة التعديات على أملاك الدولة، بما في ذلك الدواوين التي شملت علية القوم من شيوخ ووجهاء وأعضاء مجلس الأمة وغيرهم.
أما إذا أردنا أن نحلل قرار منع التجمعات بعمق سياسي أكثر فالأمر يكون في غاية الخطورة ويدعو إلى القلق على مستقبل الديموقراطية في الكويت، تلك الديموقراطية التي لا يريد لها بعضهم من أهل الدار الاستمرار وبتحريض وتشجيع من أطراف خارجية تعتبر الديموقراطية الكويتية مصدر إزعاج دائم! وفي هذا الإطار فقد يكون مرسوم الضرورة بمنع التجمعات بالون اختبار جديد ضد الديموقراطية ومقدمة لمزيد من التجرؤ والتطاول على الثوابت الدستورية الأخرى، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً بعد ردود الفعل الشعبية القوية والإجماع الكويتي في رفضه مما أدى إلى تراجع الحكومة عنه، وهنا نقول لأصحاب القرار كفى بالونات اختبار ضد الديموقراطية ولعل الرسالة الشعبية خير دليل على ذلك، فالرفض القاطع لقانون التجمعات وفي هذا الوقت تحديداً حيث السخط الكبير على مجلس 2006 لم يمنع القوى السياسية ومن خلفها الرأي العام الكويتي من الإفصاح بقوة عن موقفهم ضد تجزئة الديموقراطية أو محاولة إفراغها من أركانها الرئيسة وقواعدها المبدئية.
ويجب أن تعي الحكومة وهي الشريك الدستوري الأول لمجلس الأمة بأن السلطة التشريعية تعبير عن رمزية الديموقراطية، وأنه في حالة تقاعس أعضائها عن القيام بواجباتهم الوطنية فإن الناخبين يقومون بدورهم الدستوري في تغيير هؤلاء الأعضاء وليس بإلغاء المؤسسة التشريعية كونها من الثوابت وليس من المتغيرات.
فمن المعيب سياسياً أن تستمر الحكومة ومن يحرضها في هذه اللعبة الخطرة في كل مرة والمراهنة على إمكانية اختراق الشعب بتمرير ما من شأنه أن يهدم معاقل الديموقراطية، بل الأخطر من ذلك هو قراءة توقيت إصدار قانون منع التجمعات أثناء ترويج إشاعات إلغاء الانتخابات وتعطيل الحياة الديموقراطية كإجراء لمواجهة ردود الفعل إزاء الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، وهنا تكمن الطامة الكبرى إذا كانت الحكومة تفكر ولو من باب الخيال السياسي في مثل هذا الخيار، خصوصاً في ظل وجود أطراف يحملون هذا النفس المعادي للديمقراطية في دهاليز اتخاذ القرار، وهم بلا شك بطانة سوء لا يضمرون للبلاد سوى الشر من أجل منافعهم الخاصة.
ورأفة بالبلاد والعباد نناشد سمو رئيس مجلس الوزراء الذي بدأ يعزز موقفه ومصداقيته في قلوب الكويتيين أن يرسخ جبهة الثقة الشعبية من خلال تطهير بقايا أعداء الديموقراطية من المقربين والمستشارين وخفافيش الليل من أروقة اتخاذ القرار، فالديموقراطية الكويتية هي الرقم الوحيد الذي لا يقبل القسمة على اثنين!!