كي نفهم حقيقة الرسوم الدنماركية 2-2

نشر في 11-03-2008
آخر تحديث 11-03-2008 | 00:00
 د. عمار علي حسن

إن أداء الجاليات الإسلامية في الغرب لا يخدم الإسلام كثيراً، فالجهد الذي يبذلونه في تبصير الناس بحقيقة الإسلام قليل، وسلوك بعضهم يسيء إلى دينهم، كما أن انغلاقهم على أنفسهم، ورفض الاندماج الإيجابي في المجتمعات التي يعيشون فيها ويستفيدون منها يقلق اليمين الأوروبي المتطرف منهم، فينعكس هذا سلباً على الإسلام.

يجب ألا تعمينا هذه القلة الأوروبية المتطرفة أو الملحدة التي تحاول أن تسيء إلى الرسول الكريم من خلال الرسوم الكاريكاتيرية المقيتة أن هناك في تاريخ العلم والثقافة الأوروبي من أنصف رسول الله إنصافاً كبيراً. وهناك دراسة مهمة للدكتور نجم عبدالكريم وسمها بـ«كيف ينظر عباقرة أوروبا إلى شخصية رسول الله؟»، قدم فيها استشهادات بالغة الأهمية على إنصاف علماء ومثقفين وأدباء أوروبيين للرسول الكريم. فها هو توماس كارلاريل يصف الرسول في كتابه الأثير «الأبطال» بأنه راسخ المبدأ، صارم العزم، بعيد الهم، كريمٌ، برٌ، رؤوفٌ، تقيٌ، فاضلٌ، حرٌ، جمّ البِشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، مشرق الابتسامة. أما الشاعر الفرنسي لامارتين فيقول «محمد أقل من إله، وأعظم من إنسان، أي أنه نبيّ».

ويمدح غوستاف لوبون الحضارة الإسلامية، ويرى أن الإمبراطورية التي أنشأها المسلمون كانت الأقل سفكاً للدماء في تاريخ الإنسانية، رغم ادعاء بعضهم انتشار الإسلام بحد السيف. ويقول لوبون عن القرآن «حسب هذا الكتاب تقديساً وخلوداً أن القرون التي مرت عليه لم تستطع أن تجفف ولو قليلاً من أسلوبه الذي لايزال نقياً، كأن الأمس هو عهده بالوجود».

وفي كتابه العمدة «تاريخ الأدب العربي» يقول المستشرق النابه كارل بروكلمان إن محمداً جاء لينير الدرب لمن كانوا يسيرون في الظلام. أما كتاب «ألف شخصية عظيمة» لبلانتاجيت سومرست فراي فيشهد أن «الكثير من المغرضين طمس معالم شخصية نبي الإسلام، حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، إنه شخصية كبرى في تاريخ العالم، فضلاً عن أنه نبي مرسل».

ويهاجم الكونت دي بول نيفيلييه رجال الدين المسيحي الذين تعمدوا التغاضي عن فضل الإسلام والمسلمين على الإنسانية جمعاء، بينما يتّخذ المستشرق الفرنسي ألفونس إينين دينييه، الذي أعلن إسلامه عام 1927، الموقف نفسه، مدافعاً عن الإسلام والرسول الكريم.

وها هو الروائي الفرنسي العظيم أناتول دي فرانس، يتحدث على لسان أبطال إحدى رواياته قائلا: «أشأم أيام التاريخ هو يوم معركة بواتييه عام 732 عندما وقف الزحف الإسلامي، حيث توقفت الفنون والحضارة العربية أمام البربرية الأوروبية». ويذهب الأديب الألماني الخالد غوته في الاتجاه نفسه، معظّماً مكانة الرسول في تاريخ الإنسانية جمعاء، ومستشهداً في أعماله بالقرآن الكريم والسيرة النبوية، حتى قيل إنه قد أسلم سراً.

والأمر نفسه تكرر في أدب روائي وكاتب الأرجنتين العظيم خورخي بورخيس، الذي هام عشقاً في حضارة الشرق وأدبه، وظهر تأثره البالغ بالقرآن الكريم. وينصف العلامة رودينسان حضارة المسلمين قائلا: «إن علوم أوروبا في ما تلا الحروب الصليبية، والقرون الوسطى هي كلها علوم عربية الأصول إسلامية المصادر». ويؤكد العالم الفرنسي جوزيف كالميت أن «المسلمين هم الذين قدموا الثقافة المثمرة للحضارة المعاصرة، بينما كان غير المسلمين يتلقون هذه الثقافة العربية الإسلامية بكل فخرٍ واعتزاز.

ويقول الشاعر الأميركي الكبير واشنطن إيرفينج: «كانت أمية محمد إحدى دلائل معجزة النبوة عند هذا الرجل الأمين الصادق، الذي بعثت به السماء لمهمة مقدسة، وكان حريصاً على إيصالها بالحب، بعد أن علمته السماء... كان يحارب من أجل العقيدة، لا من أجل مصلحة شخصية».

والأمر الثاني أن أداء الجاليات الإسلامية في الغرب لا يخدم الإسلام كثيراً، فالجهد الذي يبذلونه في تبصير الناس بحقيقة الإسلام قليل، وسلوك بعضهم يسيء إلى دينهم، كما أن انغلاقهم على أنفسهم، ورفض الاندماج الإيجابي في المجتمعات التي يعيشون فيها ويستفيدون منها يقلق اليمين الأوروبي المتطرف منهم، فينعكس هذا سلباً على الإسلام.

أما الأمر الثالث فيتعلق بالصبغة السياسية التي سيطرت على مضمون الصور المسيئة للرسول الكريم، من زاوية ربطها بين الإسلام والإرهاب، وهي صورة مستقرة في أذهان الكسالى في الغرب، الذين يصدقون ما تبثه إليهم وسائل إعلام مغرضة، ومناهج تعليمية وتربوية محرفة، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة، ومن بين من رسم هذه الصور ومن نشرها، حيث اعترفا في مقابلة صحفية أجريت معهما بعد استفحال الحدث أنهما لا يعرفان كثيراً عن الإسلام، ولا يدركان شيئاً عن سيرة الرسول.

والأمر الرابع يرتبط باحتمال استغلال القوة التي تبشر بصراع الأديان والحضارات في العالم لهذا الحدث في البرهنة على صواب رؤيتها، وهي مسألة يجب أن يعيها جيداً العقلاء من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، ويواصلوا الحوار الدائر بينهما، درءاً للفتنة، وتحقيقاً لرسالة العدل والمحبة والإخاء والسلام التي تحملها رسالات السماء.

* كاتب وباحث مصري

back to top