في ظل عالم مختلة موازينه، ومضطربة أحواله كما تشهد الأحداث والوقائع اليومية، ومزدوجة معاييره كما تبرهن أميركا في كل يوم، لا يمكن الانتظار من البرادعي أكثر مما أنجز، ولا يمكن لأميركا أن ترضى عن البرادعي فضلاً عن إيران، والثقة ستبقى مفقودة إلى حين تبدل الموازين الدولية.لم يعد أحد يشكك في حرفية البرادعي ولا في انضباط سلوكه الحقوقي والقانوني كما أظن، بعد كل ما عاناه من ضغوط دولية هائلة ومتنوعة، لاسيما بخصوص تقريره الأخير الذي أصدره عن إيران، والذي وإن أثبت بما لا يقبل الشك والتردد بأنه لا يمتلك مطلقاً ما يثبت الادعاءات الأميركية والإسرائيلية بأن برنامج إيران النووي فيه أي انحراف عسكري، لكنه ومع ذلك صرح بما لا يقبل الشك والتردد أيضاً بأنه لا يتمكن من ضمان أن برنامج إيران لن ينحرف يوما!
وهنا قد يكمن بيت القصيد في ما يعانيه البرادعي من جهة، وما تعانيه إيران من جهة أخرى، فما يطلق عليه بالمجتمع الدولي مجازاً وهو المخطوف قراره من جانب الدولة المهيمنة العظمى في العالم أميركا وحليفتها الإقليمية إسرائيل لايثقون بالدول التي تغرد خارج سرب هذا المجتمع الدولي المزعوم.
وعليه فإنهم لن يقبلوا من تقارير البرادعي وأمثاله ممن يعملون في المؤسسات الدولية أن يثبت براءة الدولة المصنفة في خانة الاتهام، بل ينبغي عليه أن يعمل بكل ما أوتي من أدوات أن يرفع التهم المتدفقة على مثل هذه الدول إلى أن تنتظم في سلك السرب الدولي.
من هنا يجبر البرادعي بعد كل محطة أن يبدأ من الصفر عملياً ليناقش ادعاءات جديدة وتقارير جديدة حتى لو كانت ملفقة ومن نوع التي لفقت ضد العراق، لأن الثقة تبقى مفقودة عملياً تجاه مثل هذه الدول مادامت تغرد خارج السرب... وهكذا دواليك تستمر الدورة الشيطانية المفرغة!
لقد سبق لكولن باول صاحب قراءة الكذبة الكبرى على منبر الأمم المتحدة والتي تبناها تجاه العراق، وإن كان بعد ذلك قد اعتذر عنها ولكن «بعد خراب البصرة»! قد قالها بالحرف الواحد مخاطباً الإيرانيين: إنكم لستم البرازيل أو جنوب أفريقيا حتى نسمح لكم بالتخصيب، وإن كان هذا من حقوقكم المعترف بها فنياً وحقوقياً وذلك لأنكم دولة غير ديموقراطية، ونحن لا نثق بكم.
وهنا بيت قصيد آخر أيضاً يجب التوقف عنده ملياً! وهو ما يجعل البرادعي وفرق التفتيش التابعة لمنظمته تطالب بالبحث عن فرص إضافية وأماكن إضافية متاحة لها للتفتيش عادة ما تتجاوز المتعارف عليه بخصوص سيادة الدول ومنظومتها الدفاعية فقط، ولتثبت حسن نوايا إيران المستقبلية! وهو ما أعتقد أنه لا أحد -ناهيك عن إيران- يسمح بذلك، كرمى لعيون أميركا وإسرائيل، اللهم إلا النظام العراقي السابق، وهو الأمر الذي أدى إلى انكشاف منظومته الدفاعية كاملة أمام الغازي الأميركي، أياً كانت حسن نوايا ومهنية بليكس أو البرادعي أو كليهما!
في ظل عالم مختلة موازينه بالشكل الآنف الذكر، ومضطربة أحواله كما تشهد الأحداث والوقائع اليومية، ومزدوجة معاييره كما تبرهن أميركا في كل يوم، بل في كل ساعة تمر لا يمكن الانتظار من البرادعي أكثر مما أنجز، ولا يمكن لأميركا أن ترضى عن البرادعي فضلاً عن إيران، والثقة ستبقى مفقودة إلى حين تبدل الموازين الدولية بما يساعد إيران على النفاذ غصباً عن أميركا أو بما يجعل أميركا عاجزة عن فرض وصايتها وهيمنتها على القرار الدولي والمجتمع الدولي المخطوف!
من الآن إلى ذلك الحين ستبقى لعبة شد الحبل والتجاذب بين أميركا وإيران بشأن النووي ما لم يفتح الله باب فرج أمام العالم المنكوب بهذه القوة الجهنمية المتجبرة التي اسمها أميركا، والتي تريد عملياً فرض معايير الجلاد على الضحية! وهو ما أشار إليه القائد المحنك والصابر والمرابط على خط منع الفتنة في لبنان سماحة السيد حسن نصرالله، وهو ما ينطبق على مظلومية القضية الفلسطينية بشكل أكثر وضوحاً وشفافية، وكذلك الأمر مع العراق المستباح والمهدور الدم والسيادة إلى حين الانكسار العلني المرتقب للجناة الدوليين والإقليميين والمحليين بحق هذا الشعب الصابر والمبتلى والممتحن!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني