يجب أن يحكم المسلمون، خصوصا العرب، على المسيحية في الغرب ليس من خلال رسومات بعض الحقراء والاستفزازيين على غرار ما جرى في الدانمرك وهولندا وبعض الدول الاسكندنافية، بل من خلال رئيس الكنيسة الأنجليكانية في بريطانيا الذي دعا إلى إدخال بعض نصوص الشريعة الإسلامية على القوانين البريطانية.إعلان كوسوفو دولة إسلامية في قلب أوروبا المسيحية بدعم وتأييد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجب أن يدفع أحزاب وقوى البطالة السياسية في العالمين العربي والإسلامي إلى إيقاف الضخ الإعلامي المتواصل بالتحريض على الغرب المسيحي بحجة معاداته للإسلام من زاوية «صليبية»، وبحجة أن إسلامنا مستهدف «وإلى الجهاد يامسلمون .. ويجب الاصطفاف وراء الملَّا عمر وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن وأبو حمزة المصري»!!
لو أن الغرب المسيحي يعلن حرباً صليبية ضد الإسلام والمسلمين لما حمى مسلمي كوسوفو عندما شنّ ضدهم ميلوسيفيتش اليوغوسلافي في حرب إبادة بغطاء ديني مسيحي، ولعل ما لايعرفه الذين يعتقدون أن الإسلام هو مجرد إطالة الذقون بمقدار قبضتين والصراخ في المساجد من فوق المنابر والدعوة إلى الجهاد على خطى «أمير المؤمنين» صدام حسين واستجابة لزعيق أسامة بن لادن ونعيق أيمن الظواهري.
لم ينقذ المسلمين في كوسوفو لا أسامة بن لادن ولا أبو حمزة المصري ولا شيوخ البطالة السياسية الذين حولوا بعض منابر رسول الله إلى أبراج للصراخ التكفيري وتحريض المسلمين على المسلمين وإعلان الجهاد على الغرب المسيحي. فما حطم رأس ميلوسيفيتش ومنعه من استئصال الإسلام من كوسوفو هي الطائرات المقاتلة الأميركية، وهي المواقف البطولية الشجاعة التي وقفتها دول الاتحاد الأوروبي وجميعها، كما هو معروف في دول مسيحية.. وتُتهم من قبل المصابين بلوثة الدعوات التكفيرية بأنها دول صليبية.
يجب أن يحكم المسلمون، خصوصا العرب، على المسيحية في الغرب ليس من خلال رسومات بعض الحقراء والاستفزازيين على غرار ما جرى في الدانمرك وهولندا وبعض الدول الاسكندنافية، بل من خلال رئيس الكنيسة الأنجليكانية في بريطانيا الذي دعا إلى إدخال بعض نصوص الشريعة الإسلامية على القوانين البريطانية، ومن خلال هذا الموقف الشجاع الذي وقفته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن الدولي وفي الميدان العسكري في البلقان إلى أن حصل مسلمو كوسوفو على استقلالهم كدولة إسلامية في قلب محيط مسيحي.
وهنا لابد من أن يعلم من لا يعلم أن عدم حصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوروبي ليس سببه «إسلاموية» تركيا، فقد رفض الأوروبيون قبول هذه الدولة عضواً في اتحادهم قبل أن يصل الإسلاميون إلى الحكم بسنوات طويلة وبينما كانت دولة مصطفى كمال (أتاتورك) في ذروة علمانيتها وفي ذروة النأي بنفسها على صعيد النظام عن الإسلام. إن سبب هذا الرفض هو أن أوروبا تعترض على بعض القوانين والأنظمة التركية، خصوصاً المتعلقة بالأكراد والأقليات الأخرى التي من بينها الأرمن.
إن «الحرب الصليبية» التي يشنها الغرب المسيحي على الإسلام والمسلمين غير موجودة إلا في رؤوس وعقول أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وبعض الشيوخ الذين لا يملكون من مقومات ما يعتبرونه تأهيلاً للإفتاء والتحليل والتجريم إلا إطالة ذقونهم بمقدار قبضتين وعلى الطريقة الطالبانية الكريهة. كما أن صراع الحضارات لا يتحدث به إلا بعض المعقدين الذين جاؤوا إلى الغرب طارئين وأخذوا «يتفلسفون» ويطرحون هذا الطرح لإيجاد أمكنة لهم في المجتمعات الغربية.
هناك أقليات مسيحية في بعض الدول العربية، مصر ولبنان والأردن وفلسطين والعراق والسودان وسورية، وهؤلاء عرب وأكثر عروبة من كثير من المسلمين، كما أن تاريخ هذه الأقليات كله مُشرِّف؛ والمثال الحي في هذا المجال هو موقف الأنبا شنودة والمطران كبوجي من القضية الفلسطينية، وأيضاً انخراط عشرات ومئات الألوف من المناضلين في الحركة العربية التحررية، سابقاً ولاحقاً، من أجل استقلال دول هذه المنطقة وتحريريها من الاستعمار الغربي، الفرنسي والبريطاني والإيطالي والإسباني، وهو استعمار لم يأت إلينا يبشر بالصليب والمسيحية، إنما بدوافع استعمارية عنوانها نهب خيرات هذه البلاد وتحويلها إلى أسواق استهلاكية للصناعات والمنتجات والبضائع الغربية.
*كاتب وسياسي أردني