Ad

من غير المفهوم لي كناخب، أن أوصل عضواً ما إلى البرلمان عبر صناديق الاقتراع، لأجده وقد انتهى به المطاف رجل مال وأعمال، صارفاً جهده ووقته كله أو أغلبه إلى نشاطاته التجارية أو غيرها!

في أكثر من موقع ومناسبة، شهدت حديثاً حول النائب جمال الكندري وعن تقلص حجم نشاطه البرلماني خلال الفترة الماضية، والذي ترافق مع ازدياد نشاطه التجاري في مقابل ذلك، وبطبيعة الحال ولكون مثل هذه الأحاديث غير الرسمية عرضة للشد والجذب من أطرافها ولإضافة البهارات إليها من العارفين ومن غير العارفين، فدائماً كان يطل برأسه من يطرح التساؤل بأن النائب الكندري قد بدأ حياته في وظيفة وكيل مدرسة قبل دخوله البرلمان، لنراه بعد سنوات صار خلالها نائباً وقد أصبح اليوم رئيساً لمجلس إدارة شركة قابضة صرنا نتابع أخبارها وصفقاتها وعقودها المليونية في صفحات الاقتصاد بشكل يكاد يكون يومياً وانطلاق سعر سهمها إلى الأعلى بسرعة الصاروخ!

في تصوري أن هذه البهارات وعموم هذا الجانب، وبعيداً عن الدخول في تفاصيله وتمحيصه، لا يعنينا بشيء كثير، هذا إن كنا نريد الخروج من هذه الأحاديث بزبدة مفيدة كما يقولون، وبنتيجة مستقرة يمكن أن نبني عليها شيئاً.

لا يعنينا كثيراً كيف بدأ النائب الكندري حياته وكيف صار اليوم، فالله عز وجل هو مقسم الأرزاق يهبها لمن يشاء بغير حساب ويمنعها عمن يشاء، ولكن ما يعنينا في المسألة برمتها، أو ما يعنيني أنا بالذات على الأقل، هو فكرة أن يجمع عضو البرلمان ما بين وظيفته ومهمته كنائب للأمة في البرلمان وبين وظيفة أخرى أو نشاط آخر يزاحم هذه الوظيفة.

حين أقوم كناخب بترشيح أحد ما لعضوية البرلمان فإنني أفترض أن هذا المرشح لم يتقدم إلا وهو عازم على أن يتفرغ لهذا الأمر، خصوصاً أن الكل يعلم أن مسؤوليات عضوية البرلمان جسيمة وتستهلك وقت العضو كله، الأمر الذي استلزم تخصيص طاقم من السكرتارية لمساعدة النائب في هذه الأعباء. لهذا فمن غير المفهوم لي كناخب، أن أوصل عضواً ما إلى البرلمان عبر صناديق الاقتراع، لأجده وقد انتهى به المطاف رجل مال وأعمال، صارفاً جهده ووقته كله أو أغلبه إلى نشاطاته التجارية أو غيرها!

تلك اللائحة البرلمانية التي قالت بعدم جواز الجمع ما بين العمل البرلماني والوظيفة، لم تتولد من فراغ حتماً، إنما جاءت لوجود إدراك عميق ممن قام بوضعها بما تتطلبه وظيفة النائب ومسؤولياته من تفرغ وانصراف تام إليها عما سواها، وهذا الأمر إن كان قد جاء قاصداً الوظيفة الحكومية، فإنه ينسحب بداهة على الأعمال الخاصة كرئاسة مجالس الشركات التجارية وغيرها. وبالرغم من ذلك، وهذا محل استغراب كبير، لا نجد تفعيلاً حقيقياً من قبل البرلمان لهذه اللائحة، وانصراف عن النظر إلى أولئك الأعضاء الذين يخالفونها.

النائب جمال الكندري، لا يعنيني كثيراً بحد ذاته، ولكنني استخدمته مثالاً للوصول إلى هذه الفكرة، لذلك أقول إنه على سبيل المثال، وكما نتابع قد تقلص نشاطه البرلماني أخيراً، وهي الفترة نفسها التي تواكبت مع بروز نشاط الشركة القابضة، مما يعطي المتابع حق التساؤل بما إذا كان ما بين الأمرين اقتراناً، ويعطي للمتحلقين في المجالس والمنتديات مادة خصبة للحديث، خصوصاً أن الكندري أيضاً من نواب (حدس) الذين هم في الأساس بأدائهم ومواقفهم في البرلمان مادة متفاعلة بذاتها من دون الحاجة لأي إضافات وبهارات، ومثال ذلك ما صرح به النائب الكندري نفسه لصحيفة «الوسط» بتاريخ 26 أكتوبر 2007م من أن وزيرة التربية نورية الصبيح وزيرة تأزيم ولا بد من استبعادها، ليعود اليوم وينقلب على موقفه ذاك ويصوت مع زملائه في (حدس) ضد طرح الثقة عنها!