خلال الحرب الباردة حدث غير مرة أن انحازت الولايات المتحدة الى جانب حكومات أجنبية دكتاتورية أو فاسدة، لكنها مناهضة للشيوعية، مقوّضة بذلك مبادئ الديموقراطية من أجل التفوق المدرك ضد الاتحاد السوفييتي السابق. لم تكن هذه الخيارات خاطئة بالضرورة، لكن كل منها يضع الولايات المتحدة على منحدر زلق، تقبع في قاعه سياسة خارجية لا أخلاقية تماماً.

Ad

تواجه الحرب العالمية على الإرهاب، التي تشنها إدارة بوش، مخاطر أخلاقية مماثلة. فحتى مع إعلان الرئيس بوش بحق أن النصر النهائي على «القاعدة» يعتمد على نشر الحرية، فهو يتحالف أحياناً مع الأنظمة الدكتاتورية التي تعد بالمساعدة في استئصال شأفة الإرهابيين هنا، والآن. وتتراوح الأمثلة هنا بين مصر، وباكستان، وأخيرا إثيوبيا، والذي كان رئيس وزرائها الدكتاتور ملس زيناوي مقرباً للغاية من إدارة كلينتون، كما بنى علاقات وثيقة مع إدارة بوش أيضاً. فبمباركة من واشنطن، أرسل ملس قواته إلى الصومال في شهر ديسمبر الماضي لطرد حركة المحاكم الإسلامية الراديكالية، والمرتبطة بتنظيم «القاعدة».

وفي يوم الجمعة الماضي، أطلق سراح 38 من السياسيين والناشطين المعارضين من سجون أديس أبابا، بعد أن ظلوا قيد الاعتقال قرابة السنتين. هذه أخبار جيدة، لكن لم يكن من المفترض حبسهم في الأصل. بعد أن حاول حزب ملس حرمان معارضيه من الحصول على تلك النسبة من مقاعد البرلمان التي فازوا بها في انتخابات مايو 2005، اندلعت مظاهرات الاحتجاج في جميع أرجاء البلاد، لتقوم قوات الأمن التابعة لملس بسحقها بكلفة بشرية قدرت بـ193 مدنيا (بالإضافة إلى مقتل ستة من رجال الشرطة).

تم احتجاز الآلاف، بمن فيهم قادة المعارضة، والذين حُكم على 35 منهم بالسجن المؤبد بتهم ملفقة تتضمن الخيانة والتحريض على العنف. وقد أُفرج عنهم بعد توقيعهم مذكرة «يتحملون فيها المسؤولية الكاملة عن الأخطاء التي ارتكبت، سواء فردياً أو جماعياً»، ويلتمسون فيها العفو، الذي منحه لهم مجلس التحقيق التابع للنظام. وبعد الإفراج عنه مباشرة، قال زعيم المعارضة، هايلو شاول، إنه وقع بيانا شبيها بأعمال «أورويل» تحت التهديد، لكن حقيقة أنه وغيره من قادة المجتمع المدني قد أفرج عنهم من دون قيود على نشاطهم السياسي، وهو ما يعد علامة تبعث على الأمل.

ولايزال هناك المزيد من السجناء السياسيين، كما أن قوات ملس متهمة بانتهاك حقوق الإنسان في الصومال وفي الحرب التي نشبت في إثيوبيا ذاتها ضد المتمردين في إقليم أوغادين.

لم تحرك إدارة بوش ساكناً حيال كل هذا، رغم أن وزارة الخارجية لعبت دور الوسيط السري في الترتيب لإطلاق سراح السجناء. وجاء أكثر الضغوط الأميركية وضوحاً في صورة مشروع قانون، دعمها السيناتور الديموقراطي دونالد باين (ولاية نيوجيرسي)، والذي سيربط بين المعونات الأميركية لإثيوبيا وبين أداء تلك الدولة في مجال حقوق الإنسان. وقد اعتمدته اللجنة الفرعبة لأفريقيا، والتابعة للكونغرس، التي يرأسها باين نفسه، خلال هذا الأسبوع. تمثل إثيوبيا حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، لكنها ستحتاج، على الأرجح، إلى مزيد من الجهود من جانب المجتمع المدني المقموع فيها، فضلا عن ممارسة مزيد من الضغوط من قبل الولايات المتحدة، قبل أن يمكن أن يطلق عليها اسم بلد ديموقراطي.

 

«واشنطن بوست» بالاتفاق مع «الجريدة»

ترجمة: د. إيهاب عبد الرحيم محمد