Ad

إنها «لعبة» مكلفة، فأكراد العراق لم يعودوا لقمة سائغة كما يتوقع جنرالات الجيش التركي، والشعب الكردي في كردستان العراق الذي ذاق طعم الحرية، سيقاتل حتى بأسنانه دفاعاً عن نفسه وأطفاله ومدنه وقراه وكرامته واستقراره، ثم إن قوات «البيشمركة» التي بقيت تقاتل نحو نصف قرن قادرة على تحويل أي مغامرة عسكرية تركية إلى نكبة فعلية.

ليس قراراً حكيماً ولا هو في مصلحتها أن ترسل تركيا جيوشها إلى كردستان العراق بحجة البحث عن قواعد وعناصر حزب العمال الكردستاني التركي في هذه المنطقة، فهناك، كما يقال، أكثر من خمسة عشر مليون كردي من «التابعية» التركية، وهم لو تحرك عُشرهم تحت ضغط الأحداث لتسببوا في مشاكل كثيرة وبعدم استقرار أمني لدولة فسيفسائية الأثنيات والأعراق، وهي ليست بحاجة الى أي خضات أمنية في وقت تهتز فيه المنطقة كلها تحت ضربات العنف والإرهاب.

لا يوافق أكــــراد العراق على الطريقة التي يتبعها حزب العمال الكردستاني التركي «P.K.K»، للدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية لأكراد تركيا، ويعرف جنرالات الجيش التركي الذين يدفعون حكومة أردوغان نحو مغامرة عسكرية، ستؤدي بها حتماً الى الهاوية، حجم المساعدات التي قدمها لهم مسعود البارزاني وجلال الطالباني، عندما كان هذا الحزب يستنـزفهم عسكرياً وعندما كان يشكل مخلب قطٍّ لدولة مجاورة لدولتهم.

إن بإمكان جنرالات الجيش التركي المتحمسين جداً لهذه المغامرة، والهدف هو التخلص من أردوغان وظاهرة الإسلام المعتدل المقبول تركياً وإقليمياً ودولياً، أن يتفاهموا مع أكراد العراق كما كانوا تفاهموا مع صدام حسين على أن تقوم القوات التركية بمطاردات ساخنة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي في المناطق الحدودية الجبلية (العراقية – التركية – الإيرانية).

لقد حدث هذا أكثر من مرة، وهو لايزال يحدث حيث ترابط قوات تركية في جبل قنديل، والمناطق الحدودية العراقية - الإيرانية المتداخلة، وتقوم بمطاردات ساخنة لمقاتلي الـ «P.K.K»، أما أن يقوم الجيش التركي بدخول مناطق الوجود السكاني الكردية – العراقية الممتدة من زاخو حتى حاج عمران، فإن هذا لن يكون سهلاً على الإطلاق، بلْ سيكون مكلفاً جداً حتى في إسطنبول وديار بكر وماردين والعديد من مناطق الكثافة السكانية الكردية – التركية.

إنها «لعبة» مكلفة، فأكراد العراق لم يعودوا لقمة سائغة، كما يتوقع جنرالات الجيش التركي، والشعب الكردي في كردستان العراق الذي ذاق طعم الحرية، سيقاتل حتى بأسنانه دفاعاً عن نفسه وأطفاله ومدنه وقراه وكرامته واستقراره، ثم إن قوات «البيشمركة» التي بقيت تقاتل نحو نصف قرن قادرة على تحويل أي مغامرة عسكرية تركية إلى نكبة فعلية ستبقى تركيا تعانيها لعقود طويلة.

لاشك في أن هذا الموسم هو موسم التدخلات الخارجية في شؤون العراق الداخلية، والمعتقد حتى الجزم أن عيون الجنرلات الأتراك، الذين يروجون لغزوهم المرتقب برفع بيارق القضاء على قوات الـ «P.K.K»، على كركوك والموصل وعلى نفط العراق، وهم يعتقدون أن من حقهم ان تكون لهم حصتهم أيضاً في هذه الدولة المُستباحة في ضوء التدخل الإيراني الذي اقترب من حدود الهيمنة.

ربما، إن كان الدور التركي في العراق غدا مطلوباً عربياً ومن قبل بعض العراقيين في ظل اهتـزاز المعادلة العراقية وتوغل إيران في الشأن العراقي الداخلي أكثر من اللزوم، لكن أن تقوم القوات التركية بكل هذا الحشد وأن تحاول اجتياح كردستان العراق، فإن هذا لن يكون لا سهلاً ولا هيناً... وإن هذا سيفجر تركيا، الفسيفسائية التركيبة السكانية، من الداخل وإن هذا سيسقط نظاماً إسلامياً معتدلاً غدا مطلباً في كل الدول الإسلامية... فإنها ستكون مغامرة مكلفة جداً... وعلى الجنرالات الأتراك قبل الإقدام عليها أن يعدوا ليس إلى العشرة فقط... وإنما إلى الألف!

كاتب وسياسي أردني