موقف عربي مختلف من مفاوضات أنابوليس

نشر في 28-10-2007
آخر تحديث 28-10-2007 | 00:00
 د. محمد السيد سعيد

المبادرة الممكنة مع إيران يمكن أن تأخذ شكل دعوة إلى قمة إيرانية-عربية يشارك فيها رؤساء الدول المعروفة باسم (6 زائد 2)- أي دول الخليج الست من ناحية، ومصر والأردن من ناحية أخرى. وفي سياق هذه القمة تُطلَق عملية سياسية جديدة تشمل حوارات تفصيلية بشأن القضايا الخلافية، والأفكار الإيجابية والضرورية لبناء نظام إقليمي جديد.

بين القبول التام والرفض المطلق يدور الموقف العربي من المؤتمر الدولي الذي دعا إليه الرئيس الأميركي بوش.

القبول التام ظهر متأخراً نسبياً بعد أن أسقطت مصر اعتراضها على افتقار دعوة بوش إلى سقف زمني معقول. فبنهاية زيارة كوندوليزا رايس قدمت مصر تأييدها للمؤتمر بعد جملة اعتراضية على لسان وزير خارجيتها. ويبدو أن الجامعة العربية قبلت أيضاً بالمؤتمر من دون أن ترفق هذا القبول بالشروط والتحذيرات التي كان الأمين العام السيد عمرو موسى قد أطلقها مبكراً وبلغة غاضبة. وفي ما يبدو ابتلعت السلطة الفلسطينية بدورها تحفظاتها، بل تهديدها بعدم حضور المؤتمر إن لم يقم على جداول زمنية ويناقش قضايا الوضع النهائي.

في المقابل، فالرفض التام يبدو هو الموقف المشترك لمختلف تيارات السياسة والفكر في العالم العربي خارج دوائر السلطة. ويوجه المفكرون العرب انتقادات قوية وسليمة ليس إلى هذا المؤتمر بالذات، بل إلى مجمل الفلسفة التفاوضية التي عكف الزعماء العرب على تطبيقها منذ زيارة السادات للقدس عام 1977. مجرد ذكر هذا التاريخ يدين هذه الفلسفة. إذ ظلت القيادات العربية تجري، أو تزحف، وراء الإسرائيليين أملاً في سراب الحل الدائم والعادل والشامل الذي لم يتم خلال ثلاثين عاماً منذ مبادرة السادات.

منطق القبول والرفض

ولا شك أن التبعية لأميركا تفسر جانباً كبيراً من القبول غير المشروط بمؤتمر بوش المقرر حتى الآن أن يعقد في أنابوليس بولاية ميريلاند الأميركية. ومن الواضح أن هذا القبول يرتبط بإدارة العلاقات الثنائية بين الأطراف العربية المدعوة من ناحية، والأميركيين من ناحية أخرى، بغض النظر عن التقديرات الموضوعية بإمكان أن ينجح المؤتمر أو أن يحقق شيئاً ما. ومن المحتمل أيضاً أن الأطراف العربية المعنية ظلت تلاحق إدارة بوش بأن تفعل شيئاً ما لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بحيث أصبح من الصعب عليها أن تتحمل مسؤولية إجهاض دعوة بوش، بالرغم من القناعة العميقة بصعوبة التوصل إلى نتائج مرضية.

الرافضون لهذا المؤتمر لم يهتموا في الواقع بالتفاصيل. فلديهم خبرة طويلة بإدارة بوش وبالمواقف الأميركية المتعصبة لإسرائيل أو العاجزة عن فرض مبادئ العدالة والقانون عليها بما يغني الرافضين عن البحث في التفاصيل. وإدارة بوش لديها من رصيد معاداة العرب والتآمر عليهم وشن الحروب عليهم ما يكفي لاستنتاج أن المؤتمر لن يجلب للعرب والفلسطينيين أي خير. ومن ثم لا تبدو ثمة حاجة إلى بناء موقف مركب وأكثر ذكاءً من مؤتمر أنابوليس.

ولكن ثمة اعتبار لا يقل أهمية. فإيران هي الهدف التالي لآلة الحرب الأميركية. وثمة خطط معلنة تهتم بأدق تفاصيل عملية قصف إيران جواً بهدف تدمير ليس قدراتها النووية فقط، وإنما بنيتها الأساسية المدنية أيضاً. و«ألعاب الحرب» التي تعلنها مصادر قريبة من البنتاغون أو البيت الأبيض تستهدف بالطبع التأثير في معنويات الإيرانيين، بل الشعوب كلها الغاضبة والرافضة للسياسات الأميركية. ومع ذلك فالأمر ليس مجرد ألعاب.

ومن المرجح أن يكون المؤتمر الدولي الذي دعا إليه بوش في أنابوليس مسرحية تستهدف إغراء حكومات عربية رئيسية بالتعاون مع الولايات المتحدة في ضرب إيران. الواقع أن مختلف المصادر الجادة اشارت الى هذا الهدف. ولكن هذه المصادر لم تكن حاسمة، في ما إذا كان المؤتمر مجرد مسرحية للتغطية على عملية ضرب إيران عسكرياً أم أنه «القسط الأول» من الثمن الذي يتعين على إدارة بوش دفعه لإرضاء وجذب العرب إلى التعاون في مشروع ضرب إيران. وثمة ما يؤكد هذا المعنى الأخير. فالمؤتمر يعقد كما أشارت السيدة رايس كسلسلة من الاجتماعات قد تستغرق في مجموعها وقتاً طويلاً، بما يتيح للأميركيين والإسرائيليين ضرب إيران في الموعد الذى تختارانه ويكون في خضم عملية تفاوضية بحيث يبدو العرب شركاء، ولو بالمعنى المعنوي، في العملية.

تبديد اللبس... هل نشارك أم لا نشارك؟

الواقع أني لا أرى سبباً وجيهاً لعدم المشاركة في مؤتمر أنابوليس أو أي صيغة أخرى لو أن الفلسطينيين والعرب واضحون في ما يقبلونه وفي ما يرفضونه، ولو أن لديهم الحد الأدنى من التوافق على الأهداف الاستراتيجية.

ما يجب القيام به هو التوصل إلى أقصى درجات الوضوح في ما يتعلق بالهدف من المشاركة، وما هو مقبول وما هو مرفوض في نمط التسوية السياسية الذي يبحثه هذا المؤتمر.

مقبول أن يعمل المؤتمر على تطبيق قرارات الأمم المتحدة بخصوص الحقوق التاريخية والسياسية للشعب الفلسطيني.

المرفوض هو أن يُستخدم هذا المؤتمر للإيحاء بموافقة العرب على ضرب إيران عسكرياً. والمرفوض أيضاً أن يستخدم المؤتمر لدق إسفين إضافي في العلاقات الفلسطينية-السورية وتعميق الصراع بين «فتح» و«حماس».

وليس المطلوب هو مجرد تبديد اللبس بشأن طبيعة مشاركة العرب في هذا المؤتمر، وإنما تبديد الخلافات الحقيقية بين العرب وإيران وبين القوى المختلفة في الساحة العربية وقبل الذهاب إلى هذا المؤتمر.

وبذلك تتضح ملامح موقف عربي مختلف من مؤتمر انابوليس.

فمن الصعب للغاية إقناع الدول العربية التي قبلت بالمشاركة، بما في ذلك السلطة الفلسطينية في رام الله، بالعدول عن هذا الموقف. والبديل الصحيح هو إقناعها بالقيام بمبادرة كبيرة لبناء جسور مع إيران وإطلاق مشروع تعاوني كبير معها، وفي ما بين القوى المختلفة في الحركة الوطنية الفلسطينية.

إن اطلاق مبادرة كبيرة نحو إيران واجب مطلوب بذاته. إذ لم تتح الظروف بناء تفاهم حقيقي بين العرب وإيران منذ عقود أو حتى قرون رغم أن الثقافة والجغرافيا تفرض عليهم التفاهم.

ويبدو من المناسب تماماً أن نطلق فوراً مبادرة لإقامة حوار حقيقي مع إيران ليس لمجرد إنهاء الخلافات والشكوك المتبادلة في اللحظة الراهنة فقط، وإنما لبناء علاقة من طراز جديد جذرياً.

وهذه المبادرة بذاتها تجعل الموقف العربي من مؤتمر أنابوليس مختلفاً. إذ تتجاوز المواقف البسيطة بالرفض أو القبول وتؤسس مجالاً عربياً للحركة والحراك السياسي في المنطقة وعلى المستوى العالمي يضع هذا المؤتمر في سياق إقليمي ودولي إيجابي وبناء.

ففي حالة إطلاق هذه المبادرة بصورة قوية لن يكون للقبول بالمشاركة في مؤتمر أنابوليس أية دلالة على تؤاطؤ عربي مع أميركا لضرب إيران. ولن يكون رفض أية مشروعات أو أفكار استسلامية تعرض في هذا المؤتمر نوعاً من القفز إلى المجهول.

قمة عربية - إيرانية

المبادرة الممكنة مع إيران يمكن أن تأخذ شكل دعوة الى قمة إيرانية-عربية يشارك فيها رؤساء الدول المعروفة باسم (6 زائد 2)- أي دول الخليج الست من ناحية، ومصر والأردن من ناحية أخرى. وفي سياق هذه القمة تُطلَق عملية سياسية جديدة تشمل حوارات تفصيلية بشأن القضايا الخلافية، والأفكار الإيجابية والضرورية لبناء نظام إقليمي جديد. ويمكن أيضا أن تبدأ القمة بالتركيز على حل قضية واحدة من القضايا الصراعية في المنطقة، خصوصاً القضية اللبنانية، فيكون المؤتمر قد حقق اختراقاً يصلح للبناء عليه من خلال مزيد من الحوارات والمشروعات الإقليمية الشجاعة.

والواقع أن مجرد اطلاق هذه المبادرة يمنح للمشاركة العربية في مؤتمر أنابوليس معنى جديداً وموازنات سياسية واستراتيجية جديدة.

وببساطة لن ينظر الإسرائيليون إلى هذا المؤتمر باعتباره فرصة ذهبية لفرض الاستسلام غير المشروط على الفلسطينيين، بل سيضطرون إلى التعامل مع واقع استراتيجي جديد تماماً في المنطقة، وسيتعين على الأميركيين أن يطرحوا على العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، أفكاراً أكثر جدية واحتراماً.

* كاتب مصري

back to top