Ad

لو أن إيران، بدلا من الاستجابة لنـزوات المغامرين وتطلعات الذين رفعوا شعار تصدير ثورتهم إلى الخارج، انكفأت على نفسها واهتمت بالداخل وجعلت الأولوية للتنمية وللجامعات والمدارس ولأقلام الرصاص، فيقيناً ما كان من الممكن جرها إلى حرب الأعوام الثمانية المدمرة، وما كان يجب أن يبدأ الإعداد لحرب جديدة باتت تطلُّ برأسها من كل النوافذ والأبواب، والتي إن اندلعت فعلاً فإن حرب ثمانينيات القرن الماضي ستكون، مقارنة بها، «مزحة» صغيرة.

أغلب الظن، بل المؤكد، لو أن القادة الإيرانيين، الذين لهم وليس لغيرهم قرارات «الحل والربط» في بلادهم، تذكروا النهاية التي انتهى إليها الاتحاد السوفييتي بعدما جرَّته الولايات المتحدة إلى ميادين سباق التسلح، لمّا دخلوا هذا المدخل الضيق ولما ساروا في هذا الطريق المكلف والشائك ولما استمتعوا باستعراض صاروخ بدر «1»، الذي انضم إلى صـواريخ «العباس» و«الحسين» و«شهاب» على حساب أقلام الرصاص لأطفال إيران وعلى حساب لقمة عيشهم.

ربما لم يسمع الرئيس محمود أحمدي نجاد، ومعه الحق كله، بأن رونالد ريغان كان قد أطلق تصريحاً متسرعاً في مطلع ثمانينيات القرن الماضي قال فيه: «وداعاً للشيوعية» ويومها مدَّ كثيرون ألسنتهم استهزاءً وتعجباً لأن الصواريخ السوفييتية كانت في ذلك الحين تنتشر من أفغانستان في الشرق وحتى ألمانيا الشرقية في الغرب، وقد تبين بعد أقل من عشرة أعوام أن الرئيس الأميركي الأسبق لم يقل ذلك الذي قاله جزافاً وأنه كان يستند إلى معطيات فعلية وحقيقية جعلت نبوءته هذه تتحقق كاملة بلا أي نقصان.

أهمل القادة السوفييت كل شيء في بلادهم وركزوا جهودهم على الصواريخ العابرة للقارات وقد دعاهم الأميركيون الدهاة، إلى حفلة حرب النجوم فقبلوا هذه الدعوة وكانت النتيجة أن الإمبراطورية السوفييتية التي كان يسميها رونالد ريغان «إمبراطورية الشر» قد انهارت وانهار معها المعسكر الاشتراكي كله وأخذت جمهوريات الماركسية – اللينية في أوروبا الشرقية تتسابق على الانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي الذي كان اسمه في هذه الجمهوريات حلف الإمبريالية العالمية.

في يوم سابق قريب أصيب صدام حسين باللوثة «السوفييتية» فمنع أقلام الرصاص عن أطفال العراق وأضاف موازنات حليبهم إلى موازنة هيئة «التصنيع العسكري»، التي تناوب على قيادتها اثنان من المعتوهين هما علي حسن المجيد وابن أخيه حسين كامل حسن المجيد، وقد أنتجت هذه الهيئة صواريخ كــورية شمالية كان «مبعوث العناية الإلهية» يستمتع باستعراضها وبـ «هزها» في وجوه الدول العربية، المجاورة والبعيدة، وكانت النتيجة أن هذه الصواريخ قد ذبحت وقطعت أعناقها بالطريقة المزرية المعروفة.

لا نقاش في أن من حق إيران أن تدافع عن نفسها لكن السؤال هنا هو: هل يا تُرى ان هذه الدولة النامية، التي لايزال بعض أطفالها يسيرون حفاة بينما بعضهم الآخر إما أنهم لا تتوفر لهم أقلام الرصاص وإما أنهم لا يعرفون المدارس أساساً، بحاجة إلى سباق الصواريخ وبحاجة إلى بدر «1» و«العباس» و«شهاب» و«الحسين» و«المهدي المنتظر»؟!!

لو أن إيران، بدلا من الاستجابة لنـزوات المغامرين وتطلعات الذين رفعوا شعار تصدير ثورتهم إلى الخارج، انكفأت على نفسها واهتمت بالداخل وجعلت الأولوية للتنمية وللجامعات والمدارس ولأقلام الرصاص، فيقيناً ما كان من الممكن جرها إلى حرب الأعوام الثمانية المدمرة التي أكلت الأخضر واليابس والتي بعدما تجرع الإمام الخميني، رحمه الله، قرار إيقافها كـ«تجرع السم» ما كان يجب أن يبدأ الإعداد لحرب جديدة باتت تطلُّ برأسها من كل النوافذ والأبواب والتي إن هي اندلعت فعلاً فإن حرب ثمانينيات القرن الماضي ستكون، مقارنة بها، «مزحة» صغيرة.

لا تحتاج إيران إلى هذه الصواريخ كلها، التي ذكَّرت من شاهدوها في الاستعــراض العسكري الأخير بصواريخ صدام حسين وبصواريخ «القاهر» و«الظافر»، التي كشفت حقيقتها و«حسبها» و«نسبها» حرب يونيو عام 1967 وصواريخ «القسام» و«البنا» التي أطلق ثوار غزة الألوف منها على مستوطنة «سديروت» الإسرائيلية المجاورة وكانت خسائر الإسرائيليين مجرد أربعة قتلى من ضمنهم عجوز مسنة ماتت خوفاً بالسكتة القلبية .. والحديث النبوي الشريف يقول: «الشقي من اتعظ بنفسه والسعيد من اتعظ بغيره»!!

* كاتب وسياسي أردني