Ad

ثمة رسالة يجب أن تصل إلى المعسكرين في هذا الاستجواب، مفادها أن الفخ المنصوب ليس لاصطياد الصبيح، فالطريدة المراد استهدافها أكبر من الوزيرة.

مقزز إلى درجة «الغثيان» ذلك الحال الذي وصل اليه مستوى الخطاب والجدل السياسي في الكويت نيابياً وإعلامياً ، وحتى اجتماعياً، بدءاً من اسقاط القروض ، مروراً بموضوع التجنيس، وانتهاءً باستجواب الوزيرة نوريه الصبيح، وهي القضايا الثلاث التي توشك أن تقسم البلاد إلى فئات ومجاميع همها الأول مصالحها ومكتسباتها، ضاربة بالمصلحة الوطنية عرض الحائط، لأن الكويت في نظرهم مجرد شركة طرحت أسهمها للاكتتاب، يتطلب الاستحواذ عليها التنازل عن المبادئ والقناعات وقبل ذلك عن الأخلاق والشيم الأصيلة.

ولأن موضوع الاستجواب هو موضوع الساعة، فلا بد من الإشارة إلى أن هناك حقاً، وهناك حقيقة أيضاً؛ فالحق أن الاستجواب مكفولٌ بموجب الدستور لنائب الأمة يستخدمه متى ماشاء، فيما الحقيقه تقول إن المؤاءمة السياسية وعامل التوقيت والحرص على عدم تأزيم العلاقه بين السلطتين تفرض في بعض الأحيان عدم التعسف في استخدام هذه الأداة لأنها في النهايه سؤال مغلظ.

نورية الصبيح ارتكبت عدداً من الأخطاء خلال توليها حقيبة التربية، هذا أمر واقع لا يمكن لأي إنسان منصف أو محايد إلا الاعتراف به، لكن ذلك لا يجب أن يجعلنا نلغي أو نصادر حق نواب كتلة العمل الوطني وبعض النواب الآخرين في الدفاع عن الوزيرة ووصمهم بالفئويين، في المقابل يجب احترام من قدّم الاستجواب ومن يؤيده من النواب والابتعاد عن الخوض في الشخصانية أو المناطقية من قبل فريق الوزيرة الصبيح.

أتمنى على معسكر المستجوِّبين العودة إلى استجواب وزير الدولة محمد ضيف الله شرار وكيف كانت الفزعة القبلية. على الجانب الآخر لنتذكر استجواب عادل الصبيح وما رافقه من هبّة عائلية وفئوية، حينها سيصل الطرفان والآله الإعلامية الداعمة لكل منهما إلى الحقيقة المؤلمة والمرة «لا تعايرني ولا أعايرك»، وهي الحالة التي لم تكن تشكل خطورة على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية بشكل كبير في ذلك الوقت، إلا أن تغيرات طرأت على مفاتيح وأدوات اللعبة السياسية في الوقت الحالي، جعلت كل كويتي وطني، يضع يده على قلبه من المصير المجهول الذي ينتظرنا.

إن صراع إعادة التموقع في المناصب، الدائر منذ فترة في مؤسسة الحكم، الذي رافقه تكتلات إعلامية تدعم هذا الطرف أو ذاك، من خلال بعض الصحف الجديدة وحتى القديمة، يجعل من معركة «البقاء» في واجهة الأحداث والاحتفاظ بالمكاسب السياسية من قبل بعض الأطراف، معركة بلا أخلاق ولا مبادئ، خصوصاً بعد أن أُقحمت المؤسسة التشريعية في هذا الصراع، وهو ما وسَّع هامش الخطورة، وعزز فرص إنحراف العمل النيابي، وهي الحالة التي لم تكن متبلورة بعد، حينما استجوِّب عادل الصبيح ومحمد شرار، يومها كنا مازلنا نمتلك الحد الأدنى من القيم، على عكس ما نعيشه هذه الأيام من مرحلة «إقصاء» للآخر، يغذيها ما يُثار في شارع الصحافة من طرح يوشك أن يحوِّل ذلك الشارع إلى سوق نخاسة، وكأن الكويت بدأت تدفع «مقدماً» ضريبة قانون المطبوعات والنشر الجديد.

على كلٍ، فإن التطرف في المواقف بين مؤيدي ومعارضي الاستجواب أمر مرفوض، فمثلما نرفض تماماً وصف الاستجواب بأنه موجه ضد الوزيرة لأنها بنت «الصبيح»، نرفض كذلك استهداف المستجوِّبين للوزيره كونها محسوبةً على فئة اجتماعية بعينها، بل ندعو إلى منازلة سياسية راقية، تعيد لنا الثقه في نوابنا، وتعيد لأداة الاستجواب بريقها الذي سلبه نواب الغفلة.

في الختام لست معنياً بالدفاع عن الوزيرة، وأقدر وأحترم في الوقت ذاته النائب سعد الشريع ولا أشك في نواياه إطلاقاً، لكن ثمة رسالة يجب أن تصل إلى المعسكرين في هذا الاستجواب، مفادها أن الفخ المنصوب ليس لاصطياد الصبيح، فالطريدة المراد استهدافها أكبر من الوزيرة، ففيلم ليلة القبض على «نورية» الذي سيبدأ عرضه في الثامن من يناير المقبل، سينتهي نهاية دراماتكية، ستتغير معها الكثير من الوجوه التي ألفنا مشاهدتها على خشبة مسرحنا السياسي.