Ad

لا تحتاج «قمة دمشق» إلى فتاوى مؤثّمة ولا تصريحات مخوّنة فهي «قمة» عربية كغيرها من القمم السابقة التي لم تحقق شيئاً ذا بال، بل عجزت عن حل أصغر مشكلة عربية، وهي لن تخرج عن هذا السياق سواء حضر كل القادة أم بعضهم.

فضيلة الشيخ أحمد حسون، المفتي العام لسورية، أصدر فتوى بأن «حضور القمة في سورية فرض عين على كل حاكم عربي، ومن يتخلف عن القمة من دون عذر صحي فهو آثم»، كما أكد أنه «لا يجوز لأي حاكم أن يرسل من يمثله»! وخاطب فضيلة الشيخ حسون، في حديث الى صحيفة «العرب» القطرية، الحكام العرب، قائلاً: «تحملوا غبن بعضكم من أجل أمتكم، وكل حاكم يتخلف عن القمة، نرفع أمر شكوانا فيه إلى الله» لأن «القمة تأتي في -مرحلة استثنائية- ومن سيتخلف من القادة عن حضورها سيكتب في التاريخ أنه فرق الصف العربي وأضعف الأمة)!! ثم كرر فضيلة المفتي فتواه في خطبة صلاة الجمعة 28/3/2008 في مدينة حلب.

تصدر هذه الفتوى الدينية من أكبر مرجع ديني في سورية تدعيماً لجهود دمشق في إنجاح القمة العربية التي تتولى استضافتها، خصوصا في أعقاب حملات التشكيك التي سبقت القمة والجدل الذي دار حول تأجيلها والذي بات (فولكلوراً) سياسيا عربيا يتكرر في كل موسم قمة، لكن من جهة أخرى نفاجأ بتصريح ناري للنائب البريطاني جورج غالوي -صديق صدام- من لندن، يقول فيه: «من يقاطع قمة دمشق لا يمكن أن يعتبر نفسه زعيماً عربياً»!! لماذا؟! لأن «دمشق آخر قلعة للكرامة العربية»!! ولأن «حضور الحكام العرب لدمشق يجعلهم يكتشفون من جديد شرف الأمة الضائع»!! هكذا قال في مقابلة مع «يونايتد برس إنترناشول».

الأسئلة المطروحة -هنا- بدهشة وإلحاح: لماذا تحتاج قمة دمشق إلى مثل هذه الفتاوى الغربية وتلك التصريحات المهددة لحضورها؟! ولماذا «قمة دمشق» بالذات؟! وما الأهمية الاستثنائية فيها؟! ولماذا يكون حضورها فرض عين؟! ولماذا لا يجوز الإنابة فيها؟ القمم العربية والإسلامية على امتداد عقود حضرها من حضرها وغاب عنها من غاب من دون حاجة إلى فتاوى دينية مؤثّمة أو تصريحات جارحة مشككة في وطنية من غاب عنها!! نحن نعلم -جميعاً- أن هناك خلافات سياسية عميقة بين عدد كبير من الدول العربية وسورية على خلفية الوضع اللبناني والفلسطيني والعراقي وعلاقة تحالفها مع إيران، مما أوجد حالة فتور وتأزم في العلاقات السياسية العربية بسورية. وإذا كانت الأوضاع بهذه الصورة السلبية فكيف نقحم الفتاوى الدينية فيما لا يحسن إقحامها فيه؟ ولماذا نُحرج القادة والحكام بسيف الفتاوى الدينية؟ وما الهدف من ذلك؟ وهل بمثل هذه الفتاوى نخدم القضية العربية أو ندعم التضامن؟ أليس في ذلك إساءة للدين نفسه؟ ولمنزلة الفتاوى الدينية في نفوس الجماهير؟ ولمكانة المشايخ والعلماء أنفسهم لدى الجماهير، إذ يتأكدون من صحة المقولات التي تتردد من أن هؤلاء العلماء هم «فقهاء السلطة» يصدرون فتاواهم بحسب التوجيهات السياسية للدولة؟! إن توظيف «الدين» لخدمة «السياسة» أمر خطير، أنتج آثاراً مدمرة على شبابنا وحياتنا ومجتمعاتنا على امتداد السنوات الماضية وحتى الآن، آلاف من شباب العرب والمسلمين ذهبوا ضحايا لفتاوى دينية لأهداف الصراع السياسي، هؤلاء المشايخ الذين أفتوا بمشروعية تفجير الإنسان لنفسه في المدارس ورياض الأطفال بحجة أن هؤلاء الأطفال سيصبحون جنودا معادين يتحملون مسؤولية هؤلاء المفجرين.

هؤلاء المشايخ الذين حرضوا شبابنا للذهاب إلى العراق بحجة مقاتلة المحتل الأميركي فقُتلوا ونُحروا -ثم هم اليوم يتبرأون من فتاواهم- هؤلاء المشايخ هم أعظم إثماً عند الله ولا تشفع لهم حجة «الجهاد» لأن دوافعهم الحقيقية دوافع «سياسية» لا «دينية» لأنهم يعلمون يقيناً أنه لا يوجد «تكافؤ» في القوة بين الطرفين، ومع ذلك هانت عليهم النفوس والأرواح في سبيل تحقيق مكاسب شعبية وزعامة جماهيرية ومريدين يمجدونهم ويتغنون بهم وأموال طائلة جعلتهم من أصحاب الملايين (نشرت المجلة الأميركية الاقتصادية - فوربس - مارس 2008 إحصائية بالثروات الطائلة التي حققها النجوم من المشايخ والدعاة).

إن جناية الفتاوى الدينية السياسية عظيمة في تأزيم علاقات الحكام بشعوبهم والشعوب بعضهم ببعض، ما أكثر الفتاوى السياسية التي تكفّر أو تخوّن الأنظمة العربية وتتهمها بممالأة الغرب وأميركا ضد «الإسلاميين» وهم يقصدون «الإخوان المسلمين» وهذه الفتاوى تصدر من مشايخ الإخوان بالذات، فما إن تتخذ السلطة السياسية أي إجراء ضد الإخوان حتى يتصدر الشيخ الإخواني ليصرح قائلا إن ذلك بإملاء أميركي أو غربي.

مشايخ «حماس» أصدروا فتاوى سياسية بعدم جواز صلاة الجمعة في الساحات العامة بسبب الصراع السياسي بين «حماس» و«فتح» فاستخدمت الفتوى لخدمة الموقف الحزبي والأيديولوجي لـ«حماس».

على مر التاريخ الإسلامي كان سلاح الفتوى، سلاحاً مشروعاً تستخدمه السلطة السياسية ضد خصومها السياسيين فتنكّل بهم وتعذبهم وتقتلهم في ظل المباركة والتأييد من قبل جمهور من الفقهاء.

لقد ضاقت مجتمعاتنا وجماهيرنا بسيل الفتاوى التي تنهمر عليها في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياتها، بل تتدخل في أخص شؤونها، بل وصلت الحالة عند بعضهم إلى حالة «إدمان» الفتاوى و«أسرى» لتلك الفتاوى!! ومن ثم تضخم دور المفتي وأصبح يفتي في السياسة والاقتصاد والطب والفلك والرياضة والفن والإعلام والبنوك والبورصة والختان والرضاع وفي كل شيء!! وهذه الحالة العصيبة شبيهة بالحالة الدينية التي سادت أوروبا في القرون الوسطى في ظل هيمنة «الكنيسة» وتفسيراتها الدينية وتحكّمها في حياة الأوروبيين مما جعل الفصل بين «الدين» و«الدولة» أمراً محتّماً.

وهذا ما أخشاه اليوم في ظل تفاقم المأزق الديني وتحكم «المشايخ» في شؤون مجتمعاتنا، أخشى من رد الفعل المجتمعي العنيف تجاه توظيف الدين في خدمة الصراع السياسي تماماً كما حصل بالنسبة لتوظيف الدين المسيحي.

ولذلك على العلماء والمشايخ التبصر والإفادة من الدروس التاريخية وعدم الانسياق وراء الأهواء السياسية وكذلك العواطف الجماهيرية، فذلك منزلق خطر ليس لهم فقط وليس لمجتمعاتنا فحسب، بل للدين نفسه!!

لا تحتاج «قمة دمشق» إلى فتاوى مؤثّمة ولا تصريحات مخوّنة فهي «قمة» عربية كغيرها من القمم السابقة التي لم تحقق شيئاً ذا بال، بل عجزت عن حل أصغر مشكلة عربية. و«قمة دمشق» لن تخرج عن هذا السياق سواء حضر كل القادة أم بعضهم لأن القضية ليست في «القمة» ولا في «الجامعة» بيت العرب، القضية الأساسية كامنة في الجسم السياسي العربي العليل إذا استثنينا «الخليج» الذي يمثل الجزء الصحي السليم فحسب. يجب أن يتعافى هذا الجسم العربي الكبير -أولاً- حتى تثمر «قممه» الآمال والطموحات المرجوة، الإصلاح يجب أن يبدأ بسكان «البيت» لا أن يبدأ بإصلاح «البيت».

* كاتب قطري - بالمشاركة مع «الوطن» القطرية