نزار قباني

نشر في 25-04-2008
آخر تحديث 25-04-2008 | 00:00
 محمد سليمان

أزعم أن شعر نزار السياسي كان وراء ظهور قصيدة المقاومة، وقصائد الهجاء السياسي التي شاعت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، فقد رحل نزار قباني لكنه لم يغب، ولم يستطع الرحيل اختزال حضوره، فمازالت قصائده تُقرأ وتُغنى ودواوينه تُطبع مرة بعد أخرى، ومازال بعد رحيله أشهر الشعراء العرب وألصقهم بالذاكرة.

بقصيدتين متميزتين بنى الشاعر الكبير نزار قباني شهرته وأسس مدرسته الشعرية التي احتفت ببساطة العبارة وشعبية المفردة وبالإيقاع الراقص الذي جعل القصيدة الغزلية صالحة للغناء، وبالسخرية اللاذعة والجارحة أيضاً في قصيدة الهجاء السياسي التي أطل بها على قرائه ومريديه قبل نصف قرن بقصيدته «خبز وحشيش وقمر».

وفي كل الأحوال ظلت قصائده علامة عليه فلا أحد سواه كان بوسعه أن يقول:

«إذا مر يوم ولم أتذكرْ

به أن أقول صباحك سكّرْ

فلا تنعتينى بموت الشعورِ

ولا تحسبى أن قلبي تغيرْ»

ولا أحد سواه أيضاً يستطيع أن يجرح وأن يسخر وأن يقول هاجياً:

«أنعى لكم يا أصدقاء اللغة القديمة

والكتب القديمة

أنعى لكم

كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة

ومفردات العُهر والهجاء والشتيمة

أنعى لكم

نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة»

والمقطع السابق من قصيدته الشهيرة «هوامش على دفتر النكسة» التي كتبها بعد هزيمة يونيو 1967 وكانت سبباً لغضب نُظمنا عليه ومحاصرة شعره ومنعه من دخول مصر، وقد كنا في أحداث ومظاهرات عام 1968 الجامعية ننسخ هذه القصيدة ونتداولها سراً ونصيح ببعض عباراتها في المظاهرات.

قبل أن أقرأ قصائد ودواوين نزار كانت قصائده المغناة قد مدّت جسراً بينه وبين أبناء جيلى ورسخت نجوميته وجعلته أشهر شاعر عربي دواوينه هي الأكثر مبيعاً وتأثيراً، وأزعم أن شعر نزار السياسي كان وراء ظهور قصيدة المقاومة، وقصائد الهجاء السياسي التي شاعت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، فقد أجبر المناخ العام بعد الهزيمة عدداً كبيراً من الشعراء على التحول إلى القصيدة السياسية والتعليق على الأحداث، وقد كان جمهور الأمسيات الشعرية والبرامج الإذاعية يتلقى القصائد غير السياسية بلا مبالاة، وأحيانا بقدر من الاستهجان أو التحامل، وكان الناس يبحثون عن أشباه نزار وقصيدته الغاضبة، والقارئ كان فقط مستعداً لتلقي القصيدة التي توهّج غضبه أو تطهر جرحه بكل تقدير وتبجيل.

من هذا المنطلق قادت قصيدة نزار السياسية الحركة الشعرية في ذلك الوقت رغم هجوم أنظمتنا السياسية على الشاعر ومحاربة شعره.

رغم تقديري لتجربته ومنجزه الشعري لم أكن واحداً من أتباع نزار أو مريديه، ربما لأنني أميل إلى شعرية التأمل والحفر وطرح الأسئلة، وأنفر من المباشرة والخطابية وهدهدة القارئ وإعطائه ما يخدره أو يطمئنه، وربما لأنني اعتبرت نزاراً رغم بساطة عباراته وشعبية مفرداته وثوب المعاصرة الذي ارتداه شاعراً ملتصقاً بالماضي ومسكوناً بقيمه وتقاليده، قصائده الغزلية لم تخطُ بالمرأة خطوة إلى الأمام ولم تسع إلى تحريرها من ذلك القفص الذي أعده الشاعر القديم من أجلها، فظلت في شعر نزار الأمَة والجسد والمتاع، أما قصيدته السياسية فقد خاصمها التأمل والبحث في الدهاليز والأعماق، فمالت إلى الهجاء والسب وجلد الذات والسخرية منها:

«إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب

ففي أي مقبرة يُدفنون

ومن سوف يبكي عليهم

وليس لديهم بناتٌ

وليس لديهم بنونْ»

لكن حضور الشاعر ظل رغم ذلك كله وبسببه ربما طاغياً وجارفاً، قصائده يرددها الناس وينتظرونها، وأظنه كان يقيس نجاح القصيدة بمدى انتشارها وتأثيرها، خصوصا بعد أن ساهم المطربون والمطربات في توسيع دائرة قرائه والمعجبين به والوصول بشعره إلى البسطاء في القرى والنجوع والكفور.

قبل أعوام رحل نزار قباني لكنه لم يغب، ولم يستطع الرحيل اختزال حضوره، فمازالت قصائده تُقرأ وتُغنى ودواوينه تُطبع مرة بعد أخرى، ومازال بعد رحيله أشهر الشعراء العرب وألصقهم بالذاكرة.

* كاتب وشاعر مصري

back to top