خذ وخل: الله الحافظ: نعم ... ولكن!

نشر في 21-10-2007
آخر تحديث 21-10-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

أن يتسلل شخص مجهول، متأبطاً الطرد من بوابة وزارة الإعلام، ليسلمه إلى السجل العام للوزارة، من دون تفتيش ولا اهتمام بمعرفة الفاعل... ومن ثم يجابه هذا الخطأ بقوله «ماكو إلا الخير» من قبل وزير الإعلام... نعم من حقه أن يهتف به عبر الموبايل إلى العيال وأمهم وذويه وأصدقائه، لكن الرأي العام يحتاج الى تصريح يخبره بنيته التحقيق في كيفية حدوث الاختراق، والحرص على عدم تكراره، فضلاً عن محاسبة المقصرين المدانين.

* حينما تكون خارج الديرة، تكون استجابتك لأخبارها «الساخنة» مشوبة بالتوتر والخشية والقلق. عشية الخميس الماضي جاءني «مسج» يقول «نجاة وزير الإعلام من شر طرد ملغوم» ولأننا في فترة أعياد وبهجة، ظننت أن الطرد ملغوم بمفرقعات نارية استعراضية. أرسلت إليه هدية لعياله، سيما أن الخبر غير منسوب إلى وكالة أنباء عربية أو أجنبية! وقد صدق حدسي... إذ بثّت «كونا» بعد نصف الساعة خبراً نصه على النحو التالي «الحرس الوطني: الطرد المرسل إلى وزير الإعلام عاد، ولا يحوي مواد متفجرة». إنه بلاغ كاذب، كما يوحي سياق الخبر، ولله الحمد! والبلية أن البلاغ الكاذب ينطوي- أحياناً- على «بلاغ» ورسالة يرغب في إرسالهما إلى صاحب الشأن لسبب أو لآخر!

من هنا بادرت في الصباح الباكر الى الذهاب واستعنت بموظف يعمل في مؤسسة تعليم الكمبيوتر ليقرأ لي «بالوكالة» ما نشرته صحفنا عن الخبر عبر مواقعها في فضاء النت المذهل. ها هو وزير الإعلام يصرح «الحافظ لله... ماكو إلا الخير، ولا أعرف ماذا ترك لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية من مواعظ يقولها في هذا السياق! ذلك ان الانسان يناجي ربه سبحانه ويحمده سراً بينه وبين نفسه. ولو كان «التصريح» صادرا عن مواطن عادي لوجدنا الأمر مألوفاً ومقبولاً! لكن أن يتسلل شخص مجهول، متأبطاً الطرد من بوابة وزارة الإعلام، ليسلمه إلى السجل العام للوزارة، من دون تفتيش ولا اهتمام بمعرفة الفاعل... ومن ثم يجابه هذا الخطأ بقوله «ماكو إلا الخير» من قبل وزير الإعلام... نعم من حقه أن يهتف به عبر الموبايل إلى العيال وأمهم وذويه وأصدقائه، لكن الرأي العام يحتاج الى تصريح يخبره بنيته التحقيق في كيفية حدوث الاختراق، والحرص على عدم تكراره، فضلاً عن محاسبة المقصرين المدانين بفعلتي القصور والتقصير في التو والحين، قبل أن يتدخل نواب «الفزعة» لمصلحة الفَعَلة المدانين، كما هو شأنهم دائماً.

* والعيب الذي يشين تحقيقات وزارة الإعلام كونها تتم بالسرعة الإملائية و«سلوموشن» وتستغرق شهوراً عدة تفضي بالرأي العام إلى نسيان القضية موضوع التحقيق برمتها!

خذ عندك مثلاً... الأشهر العديدة التي سفحت من أجل تحقيق إعلان الأهرام إياها! أما ما تمخض عنها فلا علم لي بها، والله سبحانه أعلم بها!

وأيا كان الفاعل، أو الجهة التي تقف وراءه وحرضته، فمن حقنا الافتراض أن الطرد ينطوي على تبليغ رسالة ما موجهة إلى الوزارة والوزير والقيمين على الأمن... وغيرهم.

وإذا كنا لا نجادل في أن الله سبحانه هو الحافظ... فإن حامل الطرد الخفي يجد فيها ميداناً يحقق به فعلته الإرهابية، ما دامت الوزارة مسيجة بالتواكل ومحصنة بدعاء الوالدين، ومراقبة بكاميرات حولاء وعمياء، وأجهزة فحص مغلقة من أجل سواد عيون حملة «ترشيد» الطاقة الكهربائية!

إن أكثر ما أخشاه أن تقيد القضية ضد مجهول! لكونها نتيجة تشي بالعجز والقصور والتقصير، لكن أطراف القضية، سوى الفاعل المجهول الذي يحرضه الأمر على معادوة الفعلة في مكان وزمان أخريين، ناسين ومتناسين تحدي الإرهاب والإرهابيين الذين يجابههما الوطن، ويمكن أن يحدث فيها من الخارج أو الداخل على حد سواء... على حين غرة وغفلة!

إن الاتكاء التواكلي على مقولة «الله الحافظ» «بس»، وبمنأى عن المجابهة الفعلية التي تدب على الأرض، لن تحمي البلد من الإرهاب الذي تحبل الأرض التي تتكلم عربي بلغة الألغام والسيارات المفخخة، والأوادم المزنرين بالموت والعدم الذي لا يبقي ولا يذر.

* صحيح أن العمليات الإرهابية تحدث في بلاد العالم كلها، ولا توفر بلداً البتة. ومع ذلك فهم لا يكفون عن اليقظة، ولا يركنون إلى مخدة أن البلاد أمان، ومن حق أهلها التغني بموشح «أمان يا ربي أمان؟ ومن هنا... تجدهم يكتشفون الألغام، وأسلحة الإرهاب المدمرة قبل تفجيرها. وعادة يكون الفاعل معلوماً يخضع للاستجواب والمحاكمة والحكم الذي يستحقه!

والأنكى من ذلك كله هو أنه حين تحدث عندنا فعلة إرهابية، تستهدف البلاد والعباد، سارعنا الى التصدي لها أمنياً فقط! وكأن الارهاب مجاني لا يكمن وراءه فكر وفقه وثقافة تحرض الفاعل على ممارسة فعلته الإرهابية، وتوحي له بأنه «مجاهد» يقتل «الكفار» من بني وطنه، وذويه، وسكان بلاده!

وقد صار معلوماً الآن أن التصدي لتحدي الإرهاب والإرهابيين ليس مرهوناً بوزارة الداخلية فحسب، بل لا بد أن تردفه جهود وزارات الإعلام والتربية والأوقاف، فضلاً عن جهود الجمعيات الاسلامية المسيسة وغيرها من المؤسسات المعنية بالاعتدال والوسطية، والفقهاء المستقلين الذين ينصت إليهم معشر المتشددين. أقول ذلك لأن الكثيرين منهم لا يحفلون بمواعظ فقهاء وزارة الأوقاف بدعوى أنهم وعاظ السلطة.. وفقهاء الحكومة الرشيدة! حسبنا دليلاً على ما ذهبت إليه تجربة مصر مع إرهاب الجماعات الإسلامية المسلحة، فهي لم توقف عملياتها الإرهابية، وتكف عنها، إلا بعد حوار طويل قامت به الجهات الأمنية والفقهية مع قيادات هذه الجماعات! أفضى بعد شهور عدة إلى إصدار هذه الأخيرة بيان توبة واعتذار ووعد بالكف عن أي فعلة ارهابية تستهدف أهل مصر وسكانها وزوارها. إن السؤال الذي يجب طرحه إثر كل عملية إرهابية هو لماذا وليس كيف؟! لماذا حدثت الفعلة؟، وما هو الفقه الذي اتكأ عليه الفاعلون لتبريرها، عبر أناس يحلمون بالحور العين، ويطمعون في الاستشهاد، من دون تردد ولا خشية، ربما لأنهم بدورهم يلهجون بقولة «الله الحافظ»؟!

back to top