يحدد الدكتور فضل ستة موانع شرعية قاطعة تدفع إلى الإفتاء بتحريم الاعتداء على السياح والأجانب في البلاد الإسلامية، إضافة إلى حصولهم على تأشيرة دخول من السلطات والتي يراها بعض الفقهاء بمنزلة عقد أمان.

Ad

ويؤكد المؤلف في هذا الجزء المهم من كتابه أن السياحة مشروعة بالجملة، وكذلك معاملة الكفار والمشركين في البيع والشراء والإجارة والهدية وسائر المعاملات التجارية.

ويهاجم الدكتور فضل بقوة أولئك الذين استحلوا دماء الأجانب بسبب جنسياتهم، بل ارتكبوا أحياناً جرائم قتل اعتماداً على مظاهر شكلية مثل ألوان البشرة أو الشعر أو الحديث أمامهم بلغة أجنبية مؤكداً أن كل هذه الجرائم ليست سوى بدع لا يعرفها الإسلام.

وفي ما يلي نص الحلقة السادسة:

سابعًا: النهي عن التعرض بالأذى للأجانب والسياح في بلاد المسلمين

نرى أن الأجانب القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين لا يجوز التعرض لهم بقتل أو نهب أو إيذاء سواء قدموا للسياحة أو العمل أو التجارة ونحوها، وذلك لأسباب كثيرة تمنع إيذاءهم،منها:

• المانع الأول: أنهم قد يكون فيهم مسلمون، وقتل المسلم عمدًا بغير حق من كبائر الذنوب ومن السبع الموبقات، وقد قال الله تعالى «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (النساء:93)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم، وفي الحديث الصحيح أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» رواه البخاري، وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا...» (النساء:94) فإذا كان تبين أحوال الناس واجبًا وقت القتال حتى لا يقع المسلم في خطيئة قتل مسلم، فكيف يكون الحال مع الأجانب والسياح في غير وقت القتال، وهم ما جاءوا لقتال؟

دار الاسلام ودار الحرب

وقديمًا كان الناس متميزين: المسلمون في دار الإسلام، والكفار في دار الحرب ومن أسلم منهم هاجر إلى دار الإسلام، وأهل الذمة في دار الإسلام يتميزون في المظهر عن المسلمين، وكل هذا لا وجود له اليوم والغالب على الناس اليوم هو جهالة الحال وخصوصا مع عدم وجود دار إسلام تقبل بهجرة من أسلم في بلاد الكفار، ومع العجز عن إلزام الكفار بلبس الغيار (التميز في المظهر) بسبب العجز أصلاً عن إقامة الحكم الإسلامي، فأصبح المسلمون منتشرين في معظم بلدان العالم لا يتميزون في المظهر عن غيرهم، مما يدل على أنه من الخطأ اعتبار جنسية الإنسان (انتسابه لبلد ما) أو لغته أو لون بشرته أو مظهر ثيابه دليلاً على إسلامه أو كفره، أو دليلاً على جواز قتله، فالتميز متعذر عليهم، والتمييز متعسر علينا، والتبين واجب علينا، والمسلم معصوم بإسلامه أينما كان، والشبهة قائمة، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» فإذا تعذر التبين وجب الكف عن الجميع للشبهة، ومن هنا توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل تمرة وجدها ملقاة في بعض طرق المدينة للشبهة وهي احتمال أن تكون من تمر الصدقة وهي لا تحل له، فكيف بدماء الناس وأموالهم؟ وفيهم مسلمون مختلطون بغيرهم لا يتميزون، والمسلم محرم الدم والمال على المسلم أينما كان. والقاعدة الفقهية تنص على أنه «إذا اختلط الحلال أو المباح مع الحرام ولم يتميزا غلب جانب الحرام ويجب تغليب حكمه في المنع». وردت هذه القاعدة بمعناها في «الأشباه والنظائر» للسيوطي، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم، و«المجموع» للنووي وغيرها، والأدلة على صحة هذه القاعدة كثيرة منها: حديث تمرة الصدقة السابق وهو متفق عليه عن أنس، وحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وحديث النعمان السابق «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» متفق عليه، وحديث عدي بن حاتم «أنه إذا اختلط الكلب المعلم بغيره من الكلاب ولم يتميزوا يحرم أكل الصيد» متفق عليه، لأن صيد الأول حلال وصيد غيره حرام. كل هذه أدلة على تغليب حكم الحرام في المنع عند اختلاطه بالمباح من دون تميز. ولأن الحرام مفسدة والمباح مصلحة و«درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».

أمان شرعي

• المانع الثاني: أن هؤلاء الأجانب قد يقدمون إلى بلاد المسلمين بدعوة أو بعقد عمل من مسلم صاحب عمل أو صاحب شركة سياحة، وهذا أمان شرعي صحيح لا شك فيه، أما تأشيرة السلطات بعد ذلك فلا تغير شيئًا من حكم أمان المسلم لهم، ونقض أمان المسلم بالتعرض لمن دعاهم من الأجانب بالأذى من كبائر الذنوب المفسقة لأن فيه وعيدًا باللعن كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» متفق عليه، ومعنى «ذمة» العهد والعقد ومنه الأمان، ومعنى «أخفر مسلمًا» أي نقض عهده بإيذائه لمن عاهده من غير المسلمين، وفي الصحيح أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» رواه البخاري، ومع جهالة حال هؤلاء الأجانب من جهة ديانتهم ومن جهة الأمان، فالشبهة قائمة والكف عنهم واجب.

قتل «الكفار»

• المانع الثالث: أنه لو فرض أن الأجانب ببلادنا كفار لا عهد لهم، فإن معظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم حتى حين التحام القتال مع الكفار إذا كانوا في معسكر الكفار، فكيف يحل تعمد قتلهم ابتداء وهم منفردون؟ مثل النساء والأطفال والشيوخ والعمال والرهبان، وقد ورد النهي عن قتل هؤلاء في الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وأنس وبريدة بن الحصيب وغيرهم من الصحابة، كما ورد النهي عن ذلك في وصايا الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر لقادة جيوش المسلمين رضي الله عنهما، فتعمد قتلهم فيه مجافاة صريحة لصحيح الشرع، ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان» متفق عليه، وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم «لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا» حديث حسن رواه أحمد وأبو داود، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً صغيرًا ولا امرأة» رواه أبو داود، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تغدروا، ولا تغلّوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» رواه أحمد. وعن الأسود بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتلوا الذرية في الحرب» فقالوا: يا رسول الله أو ليس هم أولاد المشركين؟ قال: «أو ليس خياركم أولاد المشركين» رواه أحمد. والذرية والوليد هم الأطفال، والعسيف هم العمال والأجراء، وأصحاب الصوامع هم الرهبان غير المقاتلين، فهذه أحاديث صريحة في النهي عن قتل كل هؤلاء عمدًا حتى حال الحرب، وفيها أيضًا النهي عن الغدر بنقض العهود، والنهي عن المثلة (وهي تشويه جثث القتلى) فكيف بالتفجير؟ وهذا كله يجري على موضوع البند التالي (الثامن) إن شاء الله.

المعاملة بالمثل

• المانع الرابع: أن الأصل في التعامل مع الكفار هو المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعًا، والتعامل بالمثل مبني على قوله تعالى «... َمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» (التوبة:7)، وجعل سبحانه ذلك من خصال التقوى، ولما استشار عمال الثغور عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقدار ما يفرضونه من العشور (الجمارك) على تجار أهل الحرب إذا قدموا دار الإسلام قال لهم عمر رضي الله عنه «خذوا منهم مثل ما يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم» فبني ذلك على قاعدة «المعاملة بالمثل» من كتب «الخراج» لأبي يوسف ويحيى بن آدم و«الأموال» لأبي عبيد بن سلام، واليوم يوجد في بلاد الكفار الأصليين ملايين المسلمين يقيمون ويعملون بأمان، وإن حدثت خروقات في هذا فليست هي الأصل، وكذلك إذا دخل المسلم بلادهم بأمانهم (تأشيرة) فإنهم يحترمون دمه وماله وإذا اعتدى عليه أحد اهتموا بالأمر فليس هو مهدر الدم والمال عندهم، وهذا هو صلب عقد الأمان وحقيقته «سواء كان اسمه تأشيرة أو فيزا» فيجب معاملتهم بالمثل إذا قدموا إلى بلاد المسلمين بما يعتبرونه موافقة على قدومهم أيا ما كانت الجهة التي سمحت لهم بالقدوم.

ثارات الجاهلية

• المانع الخامس: أنه إذا كانت للمسلم خصومة مع حكومة بلده أو مع حكومة بلد الأجانب وهو عاجز عن النيل من خصمه فلماذا يدفع هؤلاء الثمن ومعظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم ابتداءً وإن تيقن كفرهم كما سبق بيانه؟ وهل هذا المسلك إلا ثارات الجاهلية؟ التي نهى الله عنها في قوله تعالى «...وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى...» (الأنعام:164)، وقال تعالى «...وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...» (المائدة:8)، وكان الصحابي خبيب بن عدي رضي الله عنه أسيرًا عند كفار مكة (بعد حادث بعث الرجيع) وهو متيقن أنهم سيقتلونه، وجاءه صبي منهم يزحف ومع خبيب الموسي وبوسعه أن يقتل الصبي انتقامًا منهم أو يأخذه رهينة، ومع ذلك لم يؤذ الصبي لأنه لا يجوز له أن يقتله، ولما رأى خبيب الفزع لدى أم الصبي قال لها «أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك» فقالت أم الصبي بعد ذلك «والله ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب» والحديث بطوله رواه البخاري، ولم يرد خبيب أن يختم حياته بذنب، فكيف بمن يقتل وينسف بلا حساب من لا يجوز قتله من الكفار، ومن لا يعلم ديانتهم من الأجانب؟ وكيف بمن يقتل الأجانب ويقتل معهم أهل بلده من المسلمين أو مجهولي الحال بالجملة؟ وقد أمره ربه بالتبين على كل حال.

المعاملة بالحسنى

• المانع السادس: أن هؤلاء الأجانب والسياح في جملتهم ما جاءوا بلاد المسلمين لحرب أو لقتال، فتجري عليهم المعاملة بالحسنى الواردة في قوله تعالى «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة:8)، هذا هو ما شرعه الله معهم ومع أمثالهم «أن تبروهم» من البر وهو المعاملة الحسنة وفعل الخير معهم، و«تقسطوا إليهم» أي تعدلوا معهم ولا تظلموهم، لا أن تقتلوهم على حين غرة.

وبعد: فهذه ستة موانع يكفي كل منها بمفرده للكف عن الأجانب والسياح وعدم التعرض لهم بسوء أو أذى، فكيف إذا اجتمعت كل هذه الموانع أو بعضها في حقهم؟ وأنا لم أذكر ضمن هذه الموانع تأشيرة السلطات في بلدان المسلمين والتي قد لا يعتبرها البعض مانعًا، وإنما ذكرت غيرها من الموانع. هذا مع العلم بأن أبا عمر بن عبد البر رحمه الله قد ذكر في كتابه «الاستذكار في ذكر مذاهب علماء الأمصار ج5» أن عامة أهل العلم على أن كل ما فهمه الكافر أنه أمان له من جانب المسلمين فهو أمان معتبر.أ.هـ. والسياحة مشروعة في الجملة ومن المباحات، وكذلك معاملة الكفار والمشركين بالبيع والشراء والإجارة والهدية ونحوها كل هذا جائز وبوب عليه البخاري رحمه الله في كتب البيوع والهبة والمزارعة والإجارة من صحيحه.

أما ما يرتكبه بعض الأجانب أو السياح من المنكرات في بلدان المسلمين فليست عقوبتها القتل وما هم عليه من الكفر أعظم، والكفار يقرون على الكفر والمنكرات (كالخمر والخنزير) في دار الإسلام بعقد الذمة، كما أن المستضعف لا يجب عليه تغيير المنكر باليد كما سبق في البنود السابقة، فكيف بالقتل؟ وقد كان الكفار يرتكبون أفحش المنكرات ويطوفون بالكعبة وهم عرايا تمامًا حتى عام 9هـ ولم يتعرض لهم أحد من المسلمين حتى نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل وفاته بسنة واحدة، وأرسل عليًا رضي الله عنه ينادي فيهم «لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الالتزام بالحكم الشرعي

والخلاصة: أننا نرى أنه لا يجوز التعرض بالأذى من قتل أو نهب أو غيره للأجانب والسياح القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين، وندعو جميع المسلمين إلى الالتزام بهذا الحكم الشرعي وعدم مخالفته، كما نرى أنه لا يجوز بحال استحلال قتل إنسان لمجرد انتسابه إلى بلد من البلدان (أي القتل على الجنسية) هذه بدعة لا سابقة لها في سلف الأمة، وليس انتساب إنسان إلى بلد ما دليلاً على إسلامه أو كفره، وإنما المراد من الانتساب إلى البلدان ونحوها مجرد التعريف كما قال تعالى «...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات:13)، فجعل الله الانتساب إلى شعب أو قبيلة مجرد وسيلة للتعريف بالشخص، ثم أتبعه بما يؤكد أن الانتساب ليس معيار تفضيل، وإنما هذا بالتقوى والدين، وقد جمع الإسلام بين سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وبين أبي بكر العربي رضي الله عنه، فالقتل على الجنسية بدعة منكرة لا سابقة لها في سلف الأمة.

وكذلك أيضًا لا يجوز بحال الحكم بإسلام إنسان أو كفره أو استحلال قتله بناءً على لون بشرته أو شعره أو لأنه يتكلم لغة أجنبية أو لأنه يلبس ثيابًا إفرنجية، ليس شيء من هذا دليل كفر أو إسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم. وفي عصر الصحابة رضي الله عنهم تم فتح معظم بلدان فارس والروم، ولم يقوموا في فتوحاتهم بقتل كل الناس سكان بلاد المشركين، ولم يقاتلوا أو يقتلوا إلا من انتصب لقتالهم منهم، فليس كل كافر يجب أو يجوز قتله، والكفر عقوبته في الآخرة، أما عقوبات الدنيا فهي لدفع العدوان والفساد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى ج12» قال «ومما ينبغي أن يعلم في هذا الموضع أن الشريعة قد تأمرنا بإقامة الحد على شخص في الدنيا إما بقتل أو جلد أو غير ذلك، ويكون في الآخرة غير معذب» إلى قوله «وكذلك نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة المقرين بالجزية على كفرهم ومثل المنافقين المظهرين الإسلام فإنهم تجري عليهم أحكام الإسلام وهم في الآخرة كافرون كما دل عليه القرآن في آيات متعددة» إلى قوله «وهذا لأن الجزاء في الحقيقة إنما هو في الدار الآخرة التي هي دار الثواب والعقاب، وأما الدنيا فإنما يشرع فيها من العقاب ما يدفع به الظلم والعدوان» أ.هـ. وقوله «ويكون في الآخرة غير معذب» لأن إقامة الحد الشرعي على مرتكب الكبائر الحدية تكفر ذنبه وتسقط عنه التبعة في الآخرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم «فمن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارة له» الحديث متفق عليه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وطواف المشركين بالكعبة وهم عرايا يتعبدون بذلك تجده في تفسير ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى «وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا...» (الأعراف:28)، وفي تفسيره لأول سورة التوبة.