جيل الممانعة !!

نشر في 17-04-2008
آخر تحديث 17-04-2008 | 00:00
 صالح القلاب

ليس سهلاً قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي يجري الحديث عنها حتى بمواصفات الحد الأدنى، فالانقلاب العسكري الذي نفذته حركة «حماس» في غزة وضع سلاحاً فتاكاً في يد اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يعتبر الفلسطينيين مجرد أقلية طارئة أقصى ما يمكن إعطاؤها هو حقوق مدنية متواضعة.

زفَّ خالد مشعل البـُشرى للشعب الفلسطيني، في حفل زفاف ابنته الذي أقيم في دمشق قبل أيام، بأنه إذا كان جيله هو جيل «المقاومة والممانعة» فإن الجيل القادم، جيل حفيده، من هذا الزواج سيكون جيل التحرير... ليس تحرير ما احتل في حرب عام 1967 فقط بل تحرير فلسطين كلها... وبهذا فإنه على الفلسطينيين الذين مازالوا في ديارهم والذين نثـرتهم النكبة في أربع رياح الأرض أن يضعوا أيديهم وأرجلهم في ماءٍ بارد، وأن ينتظروا «ظهور» هذا الحفيد المرتقب «ليملأ الأرض عدلاً بعدما امتلأت جوراً»... وليأتي بما لم يستطعه الأوائل.

عندما يقول خالد مشعل إن جيله هو «جيل المقاومة والممانعة»، وهنا فإن حقوق الطبع بالنسبة لهذا المصطلح محفوظة لـ«الأشقاء» الإيرانيين، فإنه يتقصد عدم الاعتراف بجيل الثورة التي أطلقت رصاصتها في الفاتح من عام 1965، ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد) وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار وخالد الحسن (أبو السعيد) وماجد أبو شرار وجورج حبش وغسان كنفاني... وكل قافلة الشهداء الطويلة الذين سقطوا على هذا الطريق.

إن ما لا يعرفه خالد مشعل، وهنا عذره معه لأنه كان لايزال طفلاً، هو أن الثورة الفلسطينية المعاصرة التي أطلقتها «فتح» في عام 1965 كانت ثورة تحرير الأرض التي اُحتلت في عام 1948 ولذلك فإن قادة هذه الثورة الطلائعيين كانوا هم «جيل المقاومة والممانعة» فقد كان الهدف، حتى بعد احتلال عام 1967 هو التحرير الكامل من البحر إلى النهر... وقد كان هؤلاء يصفون الدولة التي طالب بها بعضهم في الضفة الغربية وقطاع غزة بـ«الدويلة المسخ»... وهم بقوا يرفضونها إلى أن ألزمتهم التطورات اللاحقة، خصوصا بعد أن أسقطت مصر الخيار العسكري بعد حرب أكتوبر 1973 واختارت السلام واتفاقيات كامب ديفيد، أن يتخلوا عن رومانسية الثوار وأحلامهم وأن يتحلوا بالمزيد من الواقعية ويقبلوا بما يمكن اعتباره الحد الأدنى الذي بالإمكان تحقيقه.

لا اعتراض على المراهنة على الأجيال القادمة فهي ضمانة المستقبل، سواء بالنسبة لفلسطين أو بالنسبة للولايات المتحدة والصين، لكن بشرط أن تقدم الأجيال الحالية للتي تليها إنجازات يمكن البناء عليها فـ«الممانعة» التي هي اختراع إيراني أصبح عنواناً للتحالف الذي تقوده إيران ويضم سورية و«حماس» و«حزب الله» وبعض التنظيمات الأخرى المـُستترة ليس لها أي معنىً سياسي، ومن غير الممكن ترجمتها إذْ: ما المعروض على الفلسطينيين كمنحة وهدية حتى يمانعوا أو يرفضوا؟!

إن هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، حتى التي وعد الرئيس الأميركي جورج بوش بإقامتها إلى جانب دولة إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل نهاية هذا العام لايزال دونها جزَّ الحلاقيم وتحقيقها ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض، وهي بالتأكيد ليست مؤامرة بل إن هي قامت حتى بمواصفات الحد الأدنى فإنها ستكون أهم إنجاز يتحقق على مدى القرن الماضي كله وما مضى من هذا القرن.

ليس سهلاً قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي يجري الحديث عنها حتى بمواصفات الحد الأدنى، فالانقلاب العسكري الذي نفذته حركة «حماس» في غزة وضع سلاحاً فتاكاً في يد اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يعتبر الفلسطينيين مجرد أقلية طارئة أقصى ما يمكن إعطاؤها هو حقوق مدنية متواضعة، والذي قتل إسحق رابين بتهمة الخيانة العظمى ولأنه بالموافقة على اتفاقات أوسلو فرَّط بما يسميه هذا اليمين أرض إسرائيل التاريخية الموعودة.

كثيرون مرّوا تحت هذا الجسر الذي يمر تحته خالد مشعل الآن، وكثيرون كانوا أطلقوا حناجرهم لتقول أكثر مما قاله، وكثيرون هددوا إسرائيل بـ«القنبلة الديموغرافية» لكن هؤلاء كلهم أدركوا أن الأهم من هذا الكلام كله هو تحقيق ولو مجرد إنجازٍ صغيرٍ على الأرض يمكن البناء عليه لتحقيق الهدف الأكبر.

إن التنظير سهلٌ وإن الخطب الجزلة الألفاظ في العواصم البعيدة مقدور عليها، وهناك حكمة كان قالها فلاديمير اليتش لينين قبل نحو مئة عام وهي: «إن خطوة عملية واحدة أفضل من ألف دزينة من التنظير»!

* كاتب وسياسي أردني

back to top