Ad

المشكلة الرئيسة تكمن في أن الحكومات المتعاقبة هذه لم تتفاعل بالشكل الصحيح والمطلوب مع الحراك السياسي الشعبي في أعقاب مرحلة ما بعد التحرير، وتركت التطور السياسي والنضج الدستوري والجرأة في الطرح السياسي تسير في اتجاه أحادي الجانب، واكتفت بأن تكون مواقفها مجرد ردود أفعال للحركة السياسية الشعبية.

 

يمكن اختزال جملة التطورات وتلاحق الأحداث التي تشهدها الساحة العامة منذ فترة ليست بالقصيرة بمفهوم «الحراك السياسي»، الذي يتوقع أن يستمر في تفاعلاته وتداعياته على أكثر من صعيد حتى يبرز واقع سياسي جديد بقواعد عمل مختلفة وتركيبة مغايرة في تعاطي السلطات الدستورية وآليات عملها وفتح آفاق سياسية غير مسبوقة في رسم مستقبل الكويت.

ولكن هناك من يحاول تبسيط الأمور من خلال وصف بعض صور واستحقاقات هذا الحراك السياسي على خلفية الاستجوابات الأخيرة بالتصعيد أو التأزيم أو تصفية الحسابات، وهي بلاشك إفرازات قد تكون صحيحة جزئياً، ولكنها لا تعكس حقيقة وصلب هذا الحراك السياسي، فما يتم الترويج له بأن عمر الحكومة الحالية أو التي سبقتها قصير، وأنها غير منسجمة وهشة وتفتقر إلى رؤية استراتيجية أو منظور تنموي في ظل تجاذبات صراع الأجنحة والأقطاب من الداخل والتيارات السياسية من الخارج، لا يعدو كونه أسطوانة مكررة لأغراض الاستهلاك الإعلامي والاجتماعي في الدواوين والمنتديات العامة.

فالحكومة الحالية لا تختلف من حيث تركيبتها القائمة على مبدأ المحاصصة والترضيات ولا من حيث عدم انسجام أعضائها أو الصراع الخفي بداخلها وضعفها أمام المجلس، خاصة مع كل استجواب لأحد وزرائها، ولا حتى في حالة الإحباط من أدائها شعبياً، عن جميع التشكيلات الوزارية التي تعاقبت منذ عام 1992 على الرغم من الشخصيات السياسية القوية التي كانت تقودها أو تتألف منها!

إن المشكلة الرئيسة تكمن في أن الحكومات المتعاقبة هذه لم تتفاعل بالشكل الصحيح والمطلوب مع الحراك السياسي الشعبي في أعقاب مرحلة ما بعد التحرير، وتركت التطور السياسي والنضج الدستوري والانفتاح على التجارب الديموقراطية التي عصفت العالم عصفاً في مرحلة ما بعد الشيوعية والجرأة في الطرح السياسي تسير في اتجاه أحادي الجانب، واكتفت بأن تكون مواقفها مجرد ردود أفعال للحركة السياسية الشعبية، إما لقصور في الذات والافتقار لروح المبادرة، وإما بالتشبث بالأمر القائم والرهان على أن مثل هذه الحركة مجرد اجتهادات أو طموحات شخصية تضعف مع مرور الوقت.

وكانت مثل هذه الفجوة في التعاطي السياسي سبباً للتفوق الشعبي وفرض الخريطة السياسية الجديدة المتمثلة بظهور التيارات السياسية المنظمة وتحولها إلى كتل برلمانية بأجندة عملية مقبولة نسبياً والنجاح في اختبارات مهمة مثل؛ فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء، وزيادة حجم التوزير النيابي، وفرض القوانين ذات التوجه الإصلاحي، وإملاء تعديل الدوائر الانتخابية، وفتح أبواب الحريات العامة من خلال قانون الصحافة والنشر والقنوات الفضائية، والمهارة في تفعيل المساءلة السياسية وصولاً إلى رئيس مجلس الوزراء و(الفيتو) على شخصيات معينة واستبعادها عن شغل وظائف قيادية ووزارية، وظهور جيل برلماني شبابي من الطراز السياسي المحنك والمحبوب جماهيرياً، وغير ذلك من النجاحات السياسية التي أعطت المزيد من الهيبة ليس لمجلس الأمة فحسب، وإنما لمختلف الجمعيات والاتحادات والنقابات المهنية والطلابية ومؤسسات المجتمع المدني، بل حتى القواعد الشعبية على مدى واسع جداً.

ومن المؤكد أن حالة الحراك السياسي هذه سوف تستمر في التواصل والتفاعل في مسيرة انطلقت ولا يمكن أن تقف أو تتراجع، مما يوجب على الحكومة أن تتعاطى معها بروح إيجابية وعقلية منفتحة على الواقع الجديد كشريك على أقل التقديرات، إذا كانت عاجزة عن أن تكون صاحبة المبادرة!