Ad

رغم ندرة أفلامه إلا أنه نجح في ترك بصمة واضحة في تاريخ السينما العربية وليس المصرية فحسب. المخرج القدير توفيق صالح أحد أهم السينمائيين الذين تناولوا القضية الفلسطينية بوعي، كما في فيلمه «المخدوعون» الذي اختير من بين أهم مائة فيلم سياسي في تاريخ السينما العالمية وحصل على الجائزة الذهبية في مهرجان «قرطاج» للأفلام العربية والافريقية.

في حواره مع «الجريدة» لا يتحدث توفيق صالح عن رؤيته لواقع القضية الفلسطينية كما جاءت في درّة أعماله «المخدوعون» فحسب، لكنه يرصد كذلك كيفية تعامل واقع السينما مع قضية شديدة الخصوصية والالتباس.

كيف تنظر الى الواقع الفلسطيني اليوم؟

اختلف الواقع الفلسطيني اليوم عما كان عليه قبل خمسين عامًا، فتعقدت الأحداث كثيرًا وتشابكت.

لكنك أكدت في «المخدوعون» أن القضية الفلسطينية مازالت حية؟

يرصد «المخدوعون» واقعهم المؤلم في أعقاب أحداث أيلول الأسود. كنت غاضبًا وقتها فقدمت الفيلم كي أقول إن القضية الفلسطينية لاتزال حية رغم توالي الضربات القاسمة.

اليوم، يختلف الوضع تمامًا فالواقع الفلسطيني أكثر مرارة وألمًا وأتصور أن القضية لن تعود إلى الحياة إلا عبر المواجهة المسلحة.

إلى أي مدى يتوافق فيلمك مع روح ما اقتبسته عن «رجال في الشمس» لغسان كنفاني؟

رغم اختلاف الرؤية الأدبية عن الشريط السينمائي في بعض الجوانب، إلا أنني حرصت على الحفاظ على مضمون القصة ومغزاها ومعناها وعلى تطابق الأحداث وتسلسلها تمامًا مع النص الأصلي.

في الفيلم كنت مهمومًا بالكشف عن الأسباب والنتائج وطرح الأسئلة الجوهرية عن أصل المشكلة، بهدف طرح القضية وتعريتها أمام الإنسان العربي.

لكن النهاية في الفيلم تختلف عن الرواية؟

كان لا بد من الاختلاف في كثير من المشاهد وليس في مشهد النهاية فحسب. ففي المشهد الروائي حين يلقي السائق بجثث الفلسطينيين الذين كانوا يسعون للهرب داخل صهاريج للمياه فوق أكوام القمامة دليل على أنهم ماتوا في خنوع وصمت، بينما حرصت في الفيلم على أن يقرع هؤلاء على الخزان في تأكيد على إصرارهم على الثورة بكل قوتهم في وجه الطغاة، فيما يمد أحدهم يده المتصلبة والمرفوعة إلى أعلى وكأنه يحمل راية النصر أو بندقية الخلاص.

إلى أي مدى تختلف اللغة الأدبية عن اللغة السينمائية؟

إلى حد كبير، أؤمن أن الكتابة السينمائية لديها لغة خاصة ومختلفة عن النصوص الأدبية. فعندما قرأت رواية كنفاني على سبيل المثال أعجبت بها تمامًا وشعرت أنّ السيناريو مشحون بمشاعر الغضب والاحتجاج التي تفجرت في داخلي. غير أنّ الاختلاف بين الرواية والسينما يبقى بين طرق أداء لغوية وأخرى تعتمد على الصورة والصوت معًا.

بطبيعة الحال، يختلف السياق السينمائي عن البناء الروائي، ما يستلزم بالطبع إجراء بعض التعديلات بالحذف أو الإضافة. ناهيك عن ان المخرج هو المسؤول عن الشريط السينمائي والافكار التي يطرحها التي قد تختلف كليًا أو جزئيًا عن النص الأدبي.

السينما لغة وأداة لفهم العالم، ومنذ فيلمي الأول أبحث عن لغةٍ سينمائية خالصة تستمدّ مقوماتها الجمالية من الثقافة المصرية، لكني لم أحقّق ما حلمت به للأسف.

إذا كانت القضية حيّة على هذا النحو لماذا اختفت أو بالأحرى توارت عن شاشة السينما؟

قد تكون تعقيدات السياسة في المرحلة الأخيرة ووضع القضية الفلسطينية ذاتها والانشقاق الحاد على الساحة العربية، كّلها عناصر دفعت بالقضية الفلسطينية إلى أن تتوارى سينمائيًا، لكنها لم تغب بدليل وجود «باب الشمس» ليسري نصر الله وغيره من الافلام التي قد نختلف أو نتفق مع طروحاتها لكنها في نهاية المطاف ستظل تؤكد دومًا على أن هذه القضية لن تغيب عن السينما.

نبذة

خلال دراسته في كلية الآداب في جامعة الإسكندرية أخرج توفيق صالح مسرحية للكاتب توفيق الحكيم «رصاصة في القلب» وعرضت في جمعية الصداقة الفرنسية فنالت اعجاب الملحق الثقافي الفرنسي في الاسكندرية الذي أرسل صالح إلى فرنسا لدراسة فن المسرح.

عاد صالح بعد عام من فرنسا وقد اطّلع على الفنون في أوروبا ومنها السينما ليخرج «درب المهابيل» (أول أفلامه، 1954) بالتعاون مع الكاتب نجيب محفوظ كمؤلف للفيلم الذي تناول بشكل واقعي ما يحدث في إحدى الحارات المصرية. ورغم حصول الفيلم على جائزة من الدولة في مجال الإخراج، إلا انه لم يلق استحسان الجمهور والنقاد.

توقف صالح عن العمل سبعة أعوام ليقدم عام 1962 فيلم «صراع الأبطال» الذي تناول صراع الشعب المصري مع مرض الكوليرا في أثناء فترة الاحتلال الإنكليزي .

بعد «صراع الأبطال» كان لصالح ثلاثة أفلام: «المتمردون» عن قصة للصحفي صلاح حافظ، «يوميات نائب في الأرياف» (1968) عن رواية للكاتب توفيق الحكيم، ثم «السيد البلطي» (1969) عن قصة لصالح مرسي.

سافر صالح بعد ذلك إلى سوريا حيث مكث نحو أربعة أعوام أخرج خلالها فيلم «المخدوعون» (1972) من تأليف الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. ثم انتقل إلى العراق في عام 1973 وأخرج فيلم «الأيام الطويلة»، منصرفًا بعد ذلك الى تعليم مادة الإخراج في المعهد العالي للسينما في القاهرة.

خلال أربعين عامًا من العمل في الحقل السينمائي أخرج توفيق صالح سبعة أفلام روائية طويلة فحسب، كان آخرها فيلم «الأيام الطويلة» (1980) وهو لم يعرض بعد في مصر.