Ad

أتفهم عندما تم إيصال الكهرباء لـ«فرجان» الكويت قبل سبعين عاما، أتفهم أن يسمى إنجازاً في ذلك الوقت، لكن أن يأتي أحد في عام 2007، ويدعي النجاح لأننا «ما قطعنا الكهرباء عن أحد»، فذلك ما لا أفهمه.

بازدياد الأحمال الكهربائية مع بداية العام الدراسي، سيزداد معها رعب «العدّاد»، الذي قضينا صيفاً كاملاً نراقبه، لكنني أجزم بأن الرعب الذي يعيشه مطبلو حملة «ترشيد» أعظم، فما تم اصطناعه من «أمجاد وإنجازات» طوال الصيف مهدداً بالانهيار إذا ما بلغنا مرحلة القطع، وهو الانطباع الذي لم يتمنوا تركه لدى المواطن مع انتهاء الحملة.

ترشيد الاستهلاك مفهوم نبيل يجب ترسيخه، لكن حملة ترشيد تضرب المفهوم في جوهره، وتعزز الأنانية الفردية والنمط الاستهلاكي، إذ تحث الفرد على الترشيد ليس لنبل المفهوم، أو للمحافظة على البيئة، أو لادخار الطاقة على مستوى الدولة على سبيل المثال، بل «عشان ما تنقطع» الكهرباء عنه، إذا الحملة برسالتها تلعب على وتر المنفعة أو الضرر الشخصيين للفرد، وليس المصلحة العامة للدولة.

ثم نأتي إلى شعار الحملة الذي اختزل «الحل بالترشيد»، ما يوحي بأن أساس المشكلة هو استهلاك المواطنين، بينما يعلم مخترعو الحملة أن المشكلة هي تقاعس الوزارة عن توفير الكهرباء الكافية، وتحصيل مستحقات الدولة من المستهلكين، لذلك هم يعلمون أن الترشيد ليس إلا تأجيلاً للأزمة إلى العام المقبل، وعليه فالأجدر أن يكون شعارها «الترقيع بالترشيد» أو «نقزرها بالترشيد»، فذلك أدق وأصدق.

ربما سينقضي الصيف بلا انقطاع للكهرباء وهذا ما نتمناه، لكن هل يجرؤ مخترعو الحملة أن يسألوا ضمائرهم، هل بالفعل كان «الحل بالترشيد»؟ إن استهلاك المواطنين لن يحرك المؤشر أكثر من شعرتين، فالحل ليس بالترشيد، بل بقيام وزارة الكهرباء بوضع خطة على الأقل لبناء محطات جديدة، وتحصيل الفواتير حتى ترسخ مسؤولية المواطن تجاه الدولة وليس «عشان ما تنقطع» عنه، وانشغال المهندسين بالهندسة وصنع الحلول بدلاً من إدارة حملة إعلامية، فإن كان الهدف من عرض العداد على التلفزيون هو تطبيق الشفافية، كما قال وزير الكهرباء، فالأجدر بالوزارة أن تطبق الشفافية أولاً في تحمل مسؤولية الأزمة، بدلاً من تحميلها المواطنين.

أخيراً نأتي إلى بناء الأمجاد على الأطلال، إذ أتفهم عندما تم إيصال الكهرباء لـ«فرجان» الكويت قبل سبعين عاما، أتفهم أن يسمى إنجازاً في ذلك الوقت، لكن أن يأتي أحد في عام 2007، ويدعي النجاح لأن «ما قطعنا الكهرباء عن أحد»، فذلك ما لا أفهمه، إن كان هنالك ما يسجل لحملة «ترشيد»، فهو نجاحها في تحويل أساسيات الحياة كالكهرباء إلى أمنية، وتحويل الواجب إلى إنجاز يحتفل به.

Dessert

لو تم ترشيد الكهرباء المستهلكة لطباعة وتسجيل مقابلات «الترزز» الإعلامي لبعض مسؤولي الحملة ومطبليها، لانخفض المؤشر إلى التشغيل الآمن.