Ad

ولا أدري لماذا وكيف جاء افتراض أن اختيار العائلة أو القبيلة لشخص هو اختيار ضد مصلحة الوطن؟! ووصل إلى درجة اليقين، فهذا الاختيار أيا كانت صورته والطريقة التي تم بها لا يتعارض مع مصلحة الوطن، ولا مع حب وانتماء هذا الشخص الذي تم اختياره للمبادئ الوطنية والقيم التي تخدم أبناء وطنه قاطبة.

قد يثير مقالي هذا غضب بعضهم خصوصاً داخل «الجريدة» نفسها ولكن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما أن ليبرالية الجريدة وسعة صدرها تسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم مهما كانت درجة الخلاف أو الاختلاف حولها.

بداية فحب الوطن غريزة في نفس كل إنسان لا تعلوها غريزة ولا يدانيها حب، وإذا كان الإنسان يعتز ويتيه فخراً بوالده الذي رباه وعلّمه وتولى رعايته، فكيف لا يسمو زهواً ويذوب عشقا في وطنه الذي هو -معنويا- أبو الجميع، له فضل الرعاية عليهم جميعا، لذلك فمهما غاب الإنسان أو رحل، ومهما سافر أو هجر تظل للوطن دائما وأبداً مكانته العالية وقيمته الغالية في قلب كل إنسان، وهذا الحب وتلك القيمة لا يمكن فرضهما بقانون، بل هما ما ينشأ عليه الصغار ويتعلمه الشباب، وهذا واجب الكبار ودورهم في الحرص على إيجاد المناخ المناسب للشباب لتفهم ذلك والتمسك به، أما فرض هذا الحب بالقوة والقانون مهما كانت درجة استيفائه وامتلاكه للشروط والضوابط الدستورية فهذا أمر غير مطلوب، ولا مقبول إنسانيا على الأقل.

لو افترضنا أن هناك 5 أشخاص ينوون ترشيح أنفسهم للانتخابات، وبعد فترة اقتنعوا أنه من الأفضل أن يختاروا منهم واحدا فقط للترشيح، ولو افترضنا أن هؤلاء الخمسة يدينون بالمسيحية أو الإسلام (هل هناك اعتراض؟) أو أنهم ينتمون إلى مهنة واحدة، أطباء مثلا، أو مهندسين، هل يوجد أي رفض لذلك؟ بالطبع لا، ولو افترضنا أن هذا العدد زاد قليلا 50 أو 500 ما الضرر؟ وما العيب في أن يشترك هؤلاء جميعا في الاسم الأخير أو لقب العائلة؟

إن الاختلاف حول هذه القضية نبع أساسا من افتراض البعض وإيمانهم –للأسف- أن اختيار العائلة أو القبيلة لشخص هو اختيار ضد مصلحة الوطن! ولا أدري لماذا وكيف جاء هذا الافتراض ووصل إلى درجة اليقين؟! فهذا الاختيار أيا كانت صورته والطريقة التي تم بها لا يتعارض مع مصلحة الوطن، ولا مع حب وانتماء هذا الشخص الذي تم اختياره للمبادئ الوطنية والقيم التي تخدم أبناء وطنه قاطبة، أما أن يقصر هذا الشخص دوره داخل المجلس على خدمة فئة محددة سواء كانت قبيلته أو زملاء مهنته فهذا عيب وقصور في فهم الشخص لدوره وواجبه من دون النظر إلى الطريقة التي أتى بها إلى المجلس فرعية كانت أم أصلية.

ما الجريمة الإنسانية في أن يجتمع أفراد، أيا كانت الرابطة التي تجمعهم من أجل اختيار شخص للترشح للانتخابات العامة؟! إن الجريمة تكون فقط عندما يمنع هؤلاء بالقوة أي شخص آخر من الترشح أو أن يطالبوا بجعل هذه الانتخابات الفرعية بديلا عن الانتخابات العامة، كما أنه لا تعارض إطلاقا بين الانتماء الوطني والانتماء القبلي أو المهني، فكما يقول علماء الاجتماع إن دوائر الانتماء المحيطة بالإنسان متعددة وواحدة، ولا يمكن قصرها في دائرة واحدة ويكون الاختلاف فقط في ترتيبها.

فواجب الأربعة (في المثال في صدر المقال) أن يختاروا أجدرهم على خدمة الوطن والدفاع عن مصالحه، أما أن يفشل الأربعة في الاختيار فهذه مسؤوليتهم وسيفشلون أيضا سواء تم الاختيار فرعيا أو أصليا، ولا يجب الخلط بين حسن الاختيار وواجب الناخب ومسؤوليته في تحري الدقة في مرشحه مع تشابه الاسم الأخير للناخب والمرشح.

وبعيدا عن القانون فهل يجوز إنسانيا سلب حق الأفراد في المناقشة والحوار واختيار مرشحهم؟

مرة أخرى لا تعارض بين الانتماء الوطني والقبلي، وكما قال الشاعر:

بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام