عمر المختار... شيخ المجاهدين وأسد الصحراء

نشر في 02-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 02-10-2007 | 00:00
يعد عمر المختار واحدا من أبرز أبطال التاريخ العربي الذين قدموا نموذجا يحتذى به في البطولة والتضحية في سبيل الدفاع عن بلاده، ينتسب عمر إلى قبيلة المنفه إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة، ولد عام 1862م في قرية جنزور بمنطقة دفنة في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية.

تربى يتيما، حيث وافت والده مختار بن عمر المنيه وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.

تلقى عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على ايدي كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.

شارك عمر المختار في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية-الفرنسية في المناطق الجنوبية (السودان الغربي، تشاد) وحول واداي. وقد استقر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلاً ومقاتلا، ثم عين شيخا لزاوية (عين كلك) ليقضي فترة من حياته معلما ومبشرا بالإسلام في تلك الأصقاع النائية.

عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوما بيوم، فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911، وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي (درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس) كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة، حيث قابل السيد أحمد الشريف، وعندما علم بالغزو الإيطالي في ما عرف بالحرب العثمانية-الإيطالية سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين، حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة. وقد شهدت تلك الفترة أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي وبعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922، وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي، واضطر إلى ترك البلاد عاهدا بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخوه الرضا مقامه في الإشراف على الشؤون الدينية.

بعد الغزو الإيطالي على مدينة اجدابيا مقر القيادة الليبية، أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية، وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر، وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والانضواء تحت قيادة عمر المختار، كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح، وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد، فسعوا إلى احتلال الجغبوب ووجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926م، وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار، ولكن الرجل حمل العبء كاملا بعزم العظماء وتصميم الأبطال.

وتوالت الانتصارات، الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة

فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية، حيث عين بادوليو حاكماً عسكريا على ليبيا في يناير 1929م، ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الطليان والمجاهدين.

تظاهر الحاكم الجديد لليبيا برغبته في السلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، وطلب مفاوضة عمر المختار، تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929م

واستجاب الشيخ لنداء السلام، وحاول التفاهم معهم على صيغة ليخرجوا من دوامة الدمار. ورأس الوفد الإيطالي بادوليو بنفسه، الرجل الثاني بعد بنيتو موسوليني، ونائبه سيشليانو، ولكن لم يكن الغرض هو التفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت لتلتقط قواتهم أنفاسها، وقصد الغزاة الغدر به والدس عليه وتأليب أنصاره والأهالي وفتنة الملتفين حوله.

وعندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه اما مغادرة البلاد إلى الحجاز او مصر أو البقاء في برقة وانهاء الجهاد والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، رفض كل تلك العروض، وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.

دفعت مواقف المختار ومنجزاته إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد وتوصلت إلى تعيين غرسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية، ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها.

انتهت عمليات الإيطاليين في فزان باحتلال مرزق وغات في شهري يناير وفبراير 1930م، ثم عمدوا إلى الاشتباك مع المجاهدين في معارك فاصلة، وفي 26 أغسطس 1930م ألقت الطائرات الإيطالية نحو نصف طن من القنابل على الجوف والتاج. وفي معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان أوصلها لقيادته، فرآها غراتسياني فقال «الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما».

وفي 28 يناير 1931م سقطت الكفرة في أيدي الغزاة، وكان لسقوطها آثار كبيرة على حركة الجهاد والمقاومة في غضون ذلك ففي 11 سبتمبر من عام 1931م، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقان في وادي بوطاقة ورجحت الكفة للعدو فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده، مما شل حركته نهائيا. فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه، فسرعان ماحاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته، فنقل على الفور إلى مرسى سوسه ومن ثم وضع على طراد الذي نقله رأسا إلى بنغازي، حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي اخريبيش. ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.

كان لاعتقاله في صفوف العدو، صدى كبير، حتى أن غراسياني لم يصدّق ذلك في بادئ الأمر، وكان في اجازة فقرر إلغاءها واستقل طائرة خاصة وهبط في بنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلى مكتبه لكي يراه بأم عينه. عقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت،

وفي صباح اليوم التالي سلم الشيخ إلى الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشارا بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه انه كان يؤذن بصوت خافت آذان الصلاة، والبعض قال انه تمتم بالآية الكريمة «يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية»، ليجعلها مسك ختام حياته البطولية. وبعد دقائق صعدت روحه الطاهرة النقية إلى ربها تشكو اليه عنت الظالمين وجور المستعمرين.

وسبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند إعدام عمر المختار، فقد ضرب جربوع عبدالجليل ضرباً مبرحاً بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العبارية وندبت فجيعة الوطن، عندما على الشيخ شامخاً مشنوقا، ووصفها الطليان «بالمرأة التي كسرت جدار الصمت».

back to top