Ad

إن الكم العددي -وحده- لن يعوّض النقص «النوعي» مهما طالت قائمة «الشهداء» في عالم اليوم، وها هي إسرائيل ذات الـ6 ملايين نسمة تتفوق «نوعياً» على الأكثرية العربية والإسلامية التي تتجاوز المليار نسمة. علينا أن نتخلص من وهم اسمه «القنبلة الديموغرافية»، ذلك الوهم المترسخ في الذهنية العربية والإسلامية.

هناك قناعة سائدة لدى قطاعات جماهيرية ونخبوية سياسية ودينية عديدة: فلسطينية وعربية وإسلامية، مضمونها أن «تكثير النسل» هو السلاح الأقوى في مواجهة الخطر الاستيطاني الإسرائيلي المهدد للهوية الفلسطينية العربية المسلمة وللوجود الفلسطيني عامة، ونظراً لأن المواطنين العرب في إسرائيل المعروفين باسم «فلسطينيي 48» يتمتعون بخصوبة جنسية عالية، وهم يشكلون اليوم ما نسبته 19.5% من سكان إسرائيل البالغ تعدادهم «6.870.000» نسمة والذين يمثل اليهود فيهم حوالي 76% لكن المجتمع اليهودي في تناقص بينما معدل الخصوبة عند الفلسطينيين بواقع «4.4» مقابل «2.6» لليهود فإن العرب سيشكلون عام «2020» بالنسبة لليهود «60- 40» طبقا للأرقام الإسرائيلية الرسمية لعام «2004»، وبحسب استطلاع أجراه معهد تابع لجامعة حيفا، قال 62% من اليهود: إنهم يرون في المواطنين العرب الإسرائيليين خطراً على أمن الدولة العبرية بسبب نسبة التكاثر الطبيعي العالية لديهم، ومن هذا المنطلق برزت استراتيجية جديدة لحل القضية الفلسطينية عبّر عنها الكاتب «أحمد سميح الخالدي» في مقالة بعنوان «حل الدولة الواحدة» والباحث «خالد الحروب».

يقوم هذا الحل على المراهنة على «آلة الإنجاب» الفلسطينية كمدخل لتحرير فلسطين، حيث تشكل تلك الآلة «القنبلة» الديموغرافية الكفيلة بتفجير إسرائيل من الداخل، ويشكل الحل «الديموغرافي» في إطار الدولة الواحدة على أساس «المواطنة» الديموقراطية، نموذجاً «طبيعياً» ثالثاً بجانب النموذجين المتصارعين. النموذج الفتحاوي المؤيَّد من العرب والمجتمع الدولي «حل الدولتين» والنموذج الحمساوي المؤيَّد من إيران والجماعات والأحزاب الدينية وغيرها «إزالة الكيان المغتصب» وعدم الاعتراف به بل رميه في البحر إذا أمكن!!

وفي مقال طريف للباحث في العلاقات الدولية «سعود عبدالعزيز كابلي» بعنوان «عندما يصبح الإنجاب أفضل أسلحتنا» نشر في «الوطن» السعودية، يناقش فيه الكاتب فكرة الحل الديموغرافي للقضية الفلسطينية، ويستعرض الأرقام والنسب في معدل المواليد بين اليهود والعرب. ينتهي الكاتب الفاضل إلى القول: «علينا أن نبدأ بتبني استراتيجية جديدة كلياً للتعامل مع قضية فلسطين تقوم أساسا على دعم حل الدولة الواحدة، فلنترك جانباً النموذجين الفتحاوي والحمساوي، فقد أثبتت الأيام أن الروح الإنجابية لدى رجالنا ونسائنا هي أفضل أسلحتنا ضد إسرائيل»، ويستطرد لينادي بدعوة أكثر طرافة فيقول: «إننا نناشد ذوي القلوب الرحيمة أن يتبرعوا من أجل إرسال حملة إغاثة عاجلة للفلسطينيين تتضمن أفضل ما تجود به دولنا العربية من منتجات: كالرهوان المصري الشهير، إضافة إلى الحبوب الزرقاء وحبوب الـ36 ساعة ويحيا العرب»، ما أود إضافته وإبرازه هنا أن «تمجيد» النمو الديموغرافي أو «تكاثر النسل» غير مقصور على القضية الفلسطينية فحسب، فالعرب والمسلمون ـ عامة ـ يراهنون على «الكثرة العددية» في حل كل قضاياهم، بل يصل هذا التمجيد إلى درجة «المباهاة»، وأكثر الناس فرحا ومباهاة بالتكاثر والتوالد هم «الدعاة» و«الوعّاظ» و«الرموز الدينية» انطلاقا من أن ذلك استجابة وتحقيقاً لتوجيهات الرسول -صلى الله عليه وسلم- «تكاثروا، تناسلوا ...»، ولذلك تفضل المرأة «الولود» دائماً!!

المسلمون فرحون لأنهم يتزايدون بينما الأوروبيون يتناقصون ومدارسهم تغلق سنوياً لعدم وجود طلاب، وكنائسهم تباع للمسلمين لتتحول إلى مساجد.

يعتقد المسلمون أن الكثرة العددية مطلوبة وكثرة محمودة إذ تضمن لهم الأغلبية العددية على أتباع الأديان الأخرى، وقد نشرت منظمة المؤتمر الإسلامي أخيرا كتاباً جاء فيه أن عدد المسلمين سيفوق بحلول عام 2025 عدد أتباع الأديان الأخرى جميعها، ولذلك يعارض الدعاة والوعاظ والرموز الدينية بشدة سياسة «تنظيم النسل»، ويرونها «مؤامرة» غربية ضد المسلمين. يقول الدكتور يحيى فرغل في بحثه (تحديد النسل بين الوطنية والإخلاق): «ومجمل ما تقدم أن الدعوة إلى تحديد النسل، دعوة إلى تجريد الشعوب النامية من سلاحها الوحيد الذي زودها الله به لتتوازن مع طغيان القوى الغاشمة»، وهي مجرد خديعة تصدرها الأمم المتقدمة المهددة بتناقص النسل إلى الأمم المتخلفة المسلّحة بزيادة النسل لتجردها من سلاحها الوحيد الذي تصارع به الفناء الشامل، وتلك الأسلحة الذرية التي يملكها أعضاء النادي الذري العالمي... ووفقا لتقديرات الخبراء فإن سلاح «الذُّرية» سوف يكون هو السلاح ضد سلاح «الذَّرة»، ولعل هذا ما دفع ذلك الرمز الديني الكبير ليقف متباهياً ومتحدياً من فوق المنبر، ويقول: إذا كان الغرب يملك القنابل الذرية فنحن نملك القنابل البشرية!! وهذا أيضا هو الدافع وراء تصريح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد: «إن ثقافة الاستشهاد وسيلة لتسوية المشكلات الاقتصادية والعالمية».

واضح من هذه التصريحات، أن العنصر الحاكم في تفكير هؤلاء هو «آلة» الإنجاب، مجرد وسيلة وأداة لخدمة المشاريع السياسية لهم، فنحن مجرد ماكينة تفريخ، تزودهم بالقنابل البشرية التي تزرع الرعب في قلوب الأعداء، لقد أصبح الإنسان المسلم لا هدف في الحياة ولا وظيفة له إلا البحث عن ميادين التوتر «الجهاد» ليفجر نفسه في الأعداء ويمضي مسرعاً إلى لقاء حور العين.

- بثّ شفاف الشرق الأوسط شريطا مصوراً لمطوع سعودي يصف الحور بأوصاف جنسية مثيرة، أبرزها أنها بيضاء، بيضاء - شباب العالم يبني وينتح ويصنع التقدم والحياة ويضيف كل يوم ما يخدم البشرية ويعمّر الأرض ويكافح المرض والبؤس وشبابنا نعدّهم ونهيئهم للموت والهلاك والدار الآخرة، بحسب المنطق «الإيديولوجي» المهيمن على العقلية الدينية والسياسية لهؤلاء!! لقد كتب الله على أجيالنا أن يكونوا وقوداً لحروب خاسرة مع الآخرين المتفوقين بزعم «توازن الرعب»!!.

لقد تباهى الرئيس الإيراني منذ مدة بأن عنده 10 آلاف انتحاري إيراني على استعداد لضرب المصالح الأميركية في الخليج إذا تعرضت إيران لعدوان، وأريد أن أهمس في أذنه وأقول له: ما أغنى انتحاريو اليابان الذين خربوا في بيرل هاربر وتفانوا في الانتحار عن اليابان شيئا!

أريد أن أقول إن الكم العددي -وحده- لن يعوّض النقص «النوعي» مهما طالت قائمة «الشهداء» في عالم اليوم، وها هي إسرائيل ذات الـ6 ملايين نسمة تتفوق «نوعياً» على الأكثرية العربية والإسلامية التي تتجاوز المليار نسمة. علينا أن نتخلص من وهم اسمه «القنبلة الديموغرافية»، ذلك الوهم المترسخ في الذهنية العربية والإسلامية، وتعجبني مقولة للكاتب الأردني ياسر الزعاترة «لابد أن نتساءل عن حجم الهزيمة النفسية التي تجتاح بعضنا لدرجة الاعتقاد بأن الكيان الصهيوني يُشطب من خلال -نضالات- غرف النوم!». يقول -بول كنيدي- أستاذ التاريخ بجامعة «يل» الأميركية: «لآلاف السنين كان المؤرخون والاستراتيجيون يعرفون أن القوى الصغيرة الجيدة التنظيم تتمتع بقوة تفوق حجمها الحقيقي... وضخامة الدولة في المساحة وعدد السكان لا تضمن عظمتها، لكن امتلاك موارد ضخمة وموقع جغرافي ملائم ومديرين استراتيجيين نجباء، يساعد في البقاء على القمة». ويبدو أن العدوى وصلت إلينا في الخليج -هذا الجزء السليم الصحي في الجسد العربي العليل، وهي مقولة عبدالله بشارة- لقد أصبح الخليج قلقاً فزعاً على «هويته» من جراء التكاثرالسكاني غير الخليجي، بحيث أصبح الخليجيون أقلية تخشى أن تذوب في محيط الأكثرية التي تتمتع بنسبة توالد عالية، ولذلك تتعالى التحذيرات ومن ثم الدعوات إلى تشجيع التوالد وتكاثر النسل سواء عبر العلاوات والامتيازات أو تشجيع التعدّد، ولا عجب أن تجد تلك الدعوات استجابة شعبية فنحن «أمة» حباها الله بسلاح «الإنجاب» كأقوى سلاح في المواجهة! 

* كاتب قطري- بالمشاركة مع «الوطن» القطرية