Ad

هل كان أهل الكويت، حين أُقر الدستور، من طينة أخرى، ومن معدن آخر، أو ربما أنهم هبطوا علينا من المريخ، ومكثوا بيننا يوماً أو بعض يوم، وأصدروا الدستور، ثم طاروا إلى مرّيخهم مرة أخرى، وتركونا في شد وجذب على هذا النص المحير؟!

في مثل هذا اليوم منذ 45 عاماً... بزغ نهار جديد وسطعت شمس حانية، أشرق بها الوطن الصغير على حال غير حال اليوم الذي سبقه، فكان يوماً اتفق فيه الكويتيون، حكاماً ومحكومين، على تقنين العلاقة بينهم فكان صدور الدستور الذي صدر في الحادي عشر من نوفمبر عام 1962.

فهل كان أهل الكويت آنذاك من طينة أخرى، ومن معدن آخر، أو ربما أنهم هبطوا علينا من المريخ، ومكثوا بيننا يوماً أو بعض يوم، وأصدروا الدستور، ثم طاروا إلى مريخهم مرة أخرى، وتركونا في شد وجذب على هذا النص المحير؟

ربما لم يدرك الكويتيون، ولا أظنهم قد أدركوا حتى الآن، مفاهيم تلك الوثيقة بصورتها الشاملة، وبالتالي أصبح أمراً معتادا أن يُقْسم عضو مجلس أمة أو وزير مثلاً، على احترام الدستور والدفاع عنه، ولكن ممارساته لا تلبث أن تظهر بصورة عداء دفين أو ظاهر تجاه معانيه وأسسه.

الدستور في وضعه الحالي وبعد مرور 45 عاماً ملقى على قارعة الطريق، يدهسه الداهسون عن علم وإدراك، مخترق حتى النخاع، وخلال الـ45 عاما الماضية تم انتهاكه وتغريمه و«تفليشه» مرات ومرات، ومع ذلك يعود هؤلاء الأشخاص أنفسهم وبكل «قوة عين» ليعلنوا أنهم يحترمون الدستور، وأنهم لا ينامون ليلاً إلا بعد احتضانه.

فإذا كان الحال كذلك، وهو كذلك للأسف، فلماذا صدر الدستور بالأساس، وهل كنا بحاجة إلى مزيد من الأوراق، أم انه كان في نية واضعيه آنذاك التأسيس لمشروع دولة مدنية تقوم على العدالة والمساواة وفصل السلطات واحترام الإنسان والأديان والمعتقدات. وهل كان هبوط الدستور علينا كقطرة ضائعة؟ أي هل كان مجيء الدستور وإطلالته البهية علينا استثناءً خارج السياق؟ هل جاء من دون مقدمات، هكذا، فجأة؟!

تؤكد حكاية الدستور، وكيفية بزوغه، أن نيته لم تكن شيطانية، أي أنه لم يكن «طرثوثاً» كذلك النبت الصحراوي الذي ينتصب وحده دون علاقة بأي شيء، بل جاء الدستور ضمن سياق منطقي، وتداعيات زمنية مترابطة تسنى لها في محصلة الأمر أن تجد اللحظة المناسبة لتضع حملها، وتتمخض -لا لتلد فأراً- وإنما لتنجب ابناً عكَسَ الحالة الاجتماعية والسياسية وموازين القوى. ولذلك حكاية تناغمت وانسجمت فأبدعت لحناً جميلاً، ومع ذلك فقد ضربنا بالدستور عرض الحائط.

فمن المفترض أنه عندما يقرر شعب ما، بكامل قواه العقلية والجسدية، أن يصدر وثيقة يحدد فيها أسس ومرتكزات نظامه وقيمه ومبادئه الحاكمة، فإنه من المفترض أن يكون الحد الأدنى المطلوب من ذلك الشعب بكل مكوناته وفعالياته وقواه حكاماً ومحكومين أن يظهروا احتراماً لتلك الوثيقة، بيد أن ما يحدث في الكويت عكس ذلك، فالفعل الأسهل هو خرق الدستور، ويستوى في ذلك الحكومة والحكم وعدد لا يستهان به من النواب، وعدد ليس بقليل من الشعب، وها نحن في الذكرى الـ45 لصدور الدستور أبعد ما نكون عن الالتزام به والتمسك بمبادئه.

وحيث إن اليوم هو ذكرى صدور الدستور، فلعله من المفيد الحديث عن ملامح عامة، وانطباعات، ومعلومات عن تاريخ صدوره، والبيئة الاجتماعية والسياسية التي خلقته، وكيف خلقته ولم تخلق شيئا آخر. ففي تلك الحكاية دروس وعبر سنسعى إلى تبيانها في المقالات القادمة، بإذن الله فلعل وعسى أن تلقي حجراً ما في المياه الراكدة.