Ad

استراتيجياً، يعد كل تهديد قائم أو محتمل للأمن القومي الكويتي تهديداً، ولو غير مباشر، للأمن القومي المصري، وسياسياً، تتميز العلاقات بين الدولتين بقدر من التوافق والانسجام العالي، وربما تجد أن الدولتين من أكثر الدول العربية توافقاً في شأن القضايا العربية المصيرية الكبرى.

سنعرف جميعاً في وقت ليس بعيداً أن ما طرأ على العلاقات الكويتية-المصرية في أزمتها الراهنة ليس سوى سحابة صيف ستقيم قليلاً ثم ستمضي، لتعود تلك العلاقات إلى سابق عهدها، وتواصل نموها واستقرارها المطردين، بما يحقق مصلحة الدولتين وشعبيهما.

وكان الكشف عن تعذيب وافدين مصريين متهمين بالتزوير على أيدى رجال أمن كويتيين، وما تلا ذلك من إجراءات دبلوماسية مصرية وردود كويتية، في ظل توتر إعلامي، وتشابك بالكلام وصل إلى حدود التلاسن بين بعض الصحف والتعبيرات الإعلامية من الجانبين، قد أغرى بعضهم بتوقع أزمة طاحنة تخلق هوة بين الدولتين يصعب ردمها.

والواقع أن تلك الأزمة جديرة بكل اهتمام بالفعل؛ إذ إنها كشفت عن مشكلات وممارسات سلبية عديدة كان يجب ألا تحدث في مراحلها كافة؛ فمن المعلومات الصادمة عن ممارسات التعذيب وطبيعتها المقيتة، إلى الأسلوب غير العادل الذي انتهجته بعض الجهات بغرض التعمية والتضليل وإخفاء الحقائق في شأن الحادث، وأخيراً إلى الردود والانتقادات والهجمات غير المسؤولة من بعض الصحف والجهات ونشطاء الإنترنت خصوصاً.

على أن العقلاء في الدولتين قادرون، سواء كانوا من الرسميين أو غير الرسميين، على الوصول إلى حل ناجع ومرض لتلك الأزمة، بحيث تعود الحقوق إلى أصحابها، ويُحاسَب المخطئون إذا ثبتت إدانتهم، وتقدم التعهدات اللازمة لضمان عدم تكرار التجاوزات كلها، ويفقد المغرضون كل ذريعة وسبب لمواصلة بث السموم بلا وازع من مسؤولية أو حس عام في وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت.

والواقع أن مصدر الاطمئنان إلى قدرة العلاقات الكويتية-المصرية على تجاوز مثل تلك العثرات وعلاج مثل تلك الأزمات لا يعود فقط إلى الرصيد القومي المُقدر وذي الشأن الذي يتفاعل في البلدين، معززاً بأواصر من التاريخ والجغرافيا والقيم الاجتماعية واللغة والدين، فضلاً عن علاقات المصاهرة، والتاريخ الاجتماعي المتشابه والمشترك في أحيان عديدة بين الشعبين.

ولكن هذا الاطمئنان يرجع أيضاً إلى أسباب منطقية وحجج مبرهنة شديدة الوضوح لكل ذي نظر؛ ففضلاً عن انتفاء كل سبب للعداء وأي مصلحة للتنافر بين الدولتين المصرية والكويتية، تنشأ بوضوح مصالح مشتركة وفرص وأشكال للتعاون على الأصعدة كلها.

استراتيجياً، يعد كل تهديد قائم أو محتمل للأمن القومي الكويتي تهديداً، ولو غير مباشر، للأمن القومي المصري، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح في الفترات التاريخية السابقة كلها ومنذ استقلال الكويت، وهو أيضا ما يعرفه الاستراتيجيون وصناع السياسة تمام المعرفة، وربما يبنون سياساتهم استناداً إليه. فرغم اختلاف الكتلة الحيوية للدولتين، ومن ثم تباين مكانتهما الإقليمية، وتفاوت القدرات والاستحقاقات الملزمة لهما تبعاً لذلك، فإن مصالحهما تتوافق استراتيجياً بشكل كبير، على خلفية انتفاء الحاجة إلى التناقض، وغياب اعتبارات التنافس.

ويدفع هذا بمصر إلى الوقوف ضد أي محاولة تهدد وجود الدولة الكويتية نفسها، كما حدث في عهد عبدالكريم قاسم، كما يدفعها إلى المشاركة بالرجال والسلاح في حرب تحرير الكويت. كما يدفع هذا الكويت من جانبها إلى الوقوف إلى جانب مصر بالقول والفعل في حروبها المصيرية كلها ضد إسرائيل، وقبلها ضد العدوان الثلاثي في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.

سياسياً، تتميز العلاقات بين الدولتين بقدر من التوافق والانسجام العالي، وربما تجد أن الدولتين من أكثر الدول العربية توافقاً في شأن القضايا العربية المصيرية الكبرى، ورغم أن الشأن العراقي شكل علامة فارقة في هذا الإطار، بالنظر إلى خصوصية الوضع الكويتي في هذا الصدد، فإن الدولتين من خلال دبلوماسية مرنة، واستناداً إلى تاريخ من التفاهم طويل، استطاعتا الوصول إلى صيغة إيجابية تحقق الكثير من التواصل وتزيل الكثير من نقاط الاختلاف.

اقتصادياً، شاركت مصر في عملية التنمية الكويتية بالأيدي العاملة والخبرة، بينما كانت الكويت خير معين لمصر في أوقات عصيبة عديدة. ففضلاً عن الاستثمارات الكويتية المباشرة التي تضع الكويت بين أهم الدول التي تستثمر أموالها في مصر، وتحويلات المصريين العاملين في الكويت، كانت هناك المنح والقروض والهبات التي ساعدت في تحقيق التنمية في مصر.

ما يجب أن تعرفه الدولتان وشعباهما في هذا التوقيت بالذات، أن مصر والكويت، ووفقاً لكتلتهما الحيوية ومكانتهما الإقليمية وقدرتهما على العطاء والفعل تحتاجان إلى بعضهما بعضا، وتساندان بعضهما بعضا، وتحققان المصالح لبعضهما بعضاً.

إن أي حديث عن علاقات حسنة بين دولتين في عصرنا هذا يعجز عن أن يقيم الحجة والبرهان إذا هو تخلى عن لغة المصالح والأهداف المشتركة، كما أن أي دعوة لإقامة العلاقات الحسنة ووصل الود والخير بين شعبين لن تقوم لها قائمة في منطقتنا هذه إذا تخلت عن لغة الجوار الإنساني والتاريخ المشترك وأواصر اللغة ووشائج الدين. فما بال مصر والكويت وقد توافر للبلدين كل ذريعة وسبب لتفادي الأزمات وتطوير العلاقات بما يحقق الخير للشعبين والدولتين.

يجب ألا تتخلى مصر أو الكويت عن أي حق من حقوق الدولتين أو الشعبين في المشكلة الراهنة، لكن يجب أن يتم ذلك بطرق ذات رشد ولياقة، ويجب ألا يمنن أحد من البلدين على الآخر، فسجل العلاقات يحفل بالخير المتبادل والمواقف المشرقة، التي لم تقع فقط لأن أحدهما يتحلى بالمناقب ويمتلك القدرة، ولكنها وقعت لأن للبلدين مصلحة استراتيجية حيوية في ذلك، ولأن بينهما علاقات يجب أن تصان وتحترم وتنمو أمس واليوم وغداً.

* كاتب مصري