الله يحفظهم ويكافيهم شر ما أصابنا

نشر في 07-09-2007
آخر تحديث 07-09-2007 | 00:00
 إيمان علي البداح

هي المدينة الخليجية الوحيدة التي تشكل وجهة للسياحة الغربية والعربية، فهي على قائمة أعلى وجهات السياحة في ألمانيا وإيطاليا والدول الاسكندنافية.

في هذه المدينة المسلمة –العربية– الخليجية تجتمع ثقافات العالم كلها بانسجام جميل من دون أن يشعر «المواطنون» بالتهديد أو الخوف على «هويتهم». وقوانين الهجرة والعمل تفتح المجال لكل من هو مؤهل لدخول البلد وبناء أعماله ومستقبله من دون أن يشكل ذلك خطراً على «أمن البلد» وتركيبته السكانية. وحرية الرأي والتعبير مكفولة لكل مواطن ومقيم والإنترنت متاح من دون مراقبة أو منع ولا أحد يشعر بالقلق حيال «القيم والأعراف الإسلامية». ومن مظاهر الحرية والانفتاح الأخرى أن ترى المجمعات التجارية تعج بالأعمار والجنسيات والأعراق جميعها، وتعرض المحلات أحدث الكتب العالمية والعربية والأفلام والموسيقى من دون رقابة أو قطع أو حجب، وتجد في المجمع نفسه صالات الرقص والبارات بالانتشار نفسه لأجنحة العبادة والصلاة من دون أن نجد لدى المواطنين مشاكل الإدمان على الكحول أو المواقع الإباحية، كما هي الحال في المدن الخليجية الأخرى التي تجرم الكحول وتقلص الحريات.

أما الاقتصاد، فهو في نمو مطرد منذ بضعة عقود حين كانت تلك المدينة تتقبل الهبات والمساعدات من الدول المجاورة. أما الآن فهي في المقدمة بأشواط حيث تتدافع الشركات والمؤسسات العالمية لإنشاء مراكز لها في هذه المدينة، وينمو العقار أفقيا وعمودياً بمقاييس دولية وبجمال وإبداع يتحدث عنه القريب والقاصي. وهي المدينة الخليجية الوحيدة التي تشكل وجهة للسياحة الغربية والعربية، فهي على قائمة أعلى وجهات السياحة في ألمانيا وإيطاليا والدول الاسكندنافية، وتستقبل يومياً وفوداً سياحية من اليابان وأميركا الشمالية وأوروبا رغم سمعة المنطقة المرعبة من الإرهاب والتزمت الاجتماعي والفكري.

وهناك من يدعي أن اقتصاد البلد قائم على شبكات الدعارة وغسل الأموال، وهو ادعاء بعيد عن الصحة، إذ إن دخل الدولة من الأعمال الاستثمارية والسياحية واضح ومثبت بالأرقام ولا يمكن أن تخلق مافيا غسل الأموال التطور المميز في البنى التحتية والخدمات الأساسية في البلاد التي تنافس أكثر الدول الغربية تقدما. كما أن جاراتها لا تخلو من الدعارة وجميع أشكال المافيا فلمَ لم تظهر آثار غنائمها على المواطن العادي والدولة الحاضنة؟

والمجتمع المحلي لهذه المدينة بعيد كل البعد عن ماديات التطور. فرغم الثراء النسبي للمواطنين، فإن الاستثمار ينصب على تربية وتعليم أبنائهم وبناتهم في أصعب وأرقى الجامعات، ويعرف سكان هذه المدينة الأصليين بتواضعهم ودماثة أخلاقهم وبمهنيتهم، حيث فاز رجال الأعمال فيها بجوائز عالمية في الجودة والتفوق والمهنية. وهم الشركاء المفضلون للأعمال للثقة التامة بأخلاقياتهم وكلمتهم. أما المرأة فهي من أولى الخليجيات اللواتي اتخذن مواقع قيادية ومهنية مميزة. وتتمتع المرأة هناك بحرية اختيار مظهرها وفكرها وعملها من دون تحيز أو تمييز. فلا فرق بين محجبة أو مبرقعة وسافرة إلا في الأداء والعمل.

ما الذي ميز هذه المدينة عن محيطها؟ العامل الأول والرئيسي، هو القرار السياسي الواضح والقوي، فرغم غياب المشاركة الشعبية بأشكالها التقليدية، فإن القيادة السياسية على وعي وإيمان راسخ أن مصلحتها من مصلحة الشعب وأن الوسيلة الوحيدة للنجاح هي استقطاب وتحفيز قدرات ومهارات الكل. أما العامل الثاني، فهو التطور التدريجي والمدروس. فهذه المدينة لم يجتحها الثراء بشكل مفاجئ كما في جيرانها. إنما جاء الثراء بشكل تدريجي وبمجهود الجميع وبشكل يتناسب بشكل مناسب مع التطور الاجتماعي. فالاغتناء السريع وغير المكلف لجاراتها أوقع شعوبها في خلل اجتماعي كبير يتميز بضياع الهوية والتعويض المادي المبالغ فيه وضياع القيم وهشاشة الأخلاقيات. أما العامل الثالث، فهو الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي المدروس بشكل لا يهدد المجتمع، إنما يشجع التطور مع المحافظة على الهوية والقيم الأصيلة.

نأمل أن يستمر تقدم هذه التجربة المفيدة عسى أن تعدي جاراتها، وعسى ألا يصبها ما أصابنا من شلل وعمى وتخلف عقلي!

back to top